الباب الثاني في بناء مسجده الأعظم وبعض ما وقع في ذلك من الآيات تقدم أن ناقته صلى الله عليه وسلم بركت عند باب مسجده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هذا المنزل إن شاء الله "، ثم أخذ في النزول: فقال: (رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين) (المؤمنون 29). وكان مربدا ليتيمين هما: سهل وسهيل، قال يحيى بن الحسن، والبلاذري وغيرهما: " ابنا رافع بن أبي عمرو بن عائذ بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار، وبذلك صرح ابن حزم، وأبو عمرو ورجحه، وكانا في حجر أسعد بن زرارة كما في صحيح البخاري عند أكثر رواته. وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إلى بني النجار بسبب موضع المسجد، فقال: " يا بني النجار، ثامنوني بحائطكم هذا " (1)، فقالوا: " والله لا نطلب ثمنه إلا من الله " وفي رواية: فدعا بالغلامين وساومهما بالمربد ليتخذه مسجدا. فقالا. بل نهبه لك يا رسول الله. فأبى أن يقبله منهما هبة حتى ابتاعه منهما ثم بناه مسجدا. وكان أسعد بنى المربد مسجدا قبل أن يقدم النبي صلى الله عليه وسلم.
وروى يحيى بن الحسن بن عن النوار بنت مالك أم زيد بن ثابت أنها رأت أسعد بن زراة قل أن يقدم النبي صلى الله عليه وسلم، يصلي بالناس الصلوات الخمس، ويجمع بهم في مسجده بناه في مربد سهل وسهيل، ابني رافع بن أبي عمرو بن عائذ قالت: " كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم صلى بهم في ذلك المسجد، وبناه فهو مسجده "، وذكر البلاذري نحوه.
وروى الشيخان والبيهقي عن أنس رضي الله عنه قال: كان المسجد جدارا ليس له سقف، وقبلته إلى القدس، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالنخل بالغرقد أن يقطع، وكان فيه قبور جاهلية، فأمر بها فنبشت وأمر بالعظام أن تغيب، وكان في المربد ماء فسيره حتى ذهب، وكان فيه خرب فأمر بها فسويت، فصفوا النخل قبلة له، أي جعلت سواري له في جهة القبلة فسقف عليها وجعلوا عضادتيه حجارة.
وروى ابن عائذ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيه وهو عريش اثنى عشر يوما ثم سقف، وروى محمد بن الحسن المخزومي، ويحيى بن الحسن عن شهر بن حوشب قال: " لما أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبني المسجد قال: " ابنوا لي عريشا كعريش موسى ثمامات وخشبات وظلة كظلة موسى والأمر أعجل من ذلك ". قيل: وما ظله موسى؟ قال: " كان إذا قام أصاب رأسه