عليه أن يكون مثل الشرع، ظاهره وباطنه سواء، لا نفاق فيه بوجه أصلا، فقال: " أشهد ألا إله إلا الله ".
" فلما استقر في الأذهان سر هذا الإعلان، أتبعه ما اقتضى الحال من الشهادة للآتي بهذا الدين من صدق المقال، في دعوى الإرسال، فقال: " أشهد أن محمد رسول الله "، ثم أكده كما مضى فقال: " أشهد أن محمدا رسول الله ". ولما ثبت ذلك، وانجلت دياجير تلك الأمور الحوالك، فتيسر السلوك لكل سالك، في أشرف المسالك، قال ذاكرا لما آثرته الرسالة من الخلاص من أشراك الضلالة، والرد على طرقها الميالة، وأوديتها المغتالة: " حي على " - أي هلموا أقبلوا جهارا غير خائفين من أحد - إلى " الصلاة "، بادئا بما هو نهاية الدين، الجامع لشمله، المميز لأهله.
" ولما كان الناظر لذلك الحال، يستدعي عجبا من الوصول إلى هذا المآل، قال مؤكدا: " حي على الصلاة ". فلما تقرر ذلك كان كأنه قيل: هل من عمل غيرها؟ فقال: " حي على الفلاح "، فكان ذلك، مع أنه دعاء إلى كل عمل يوجب الفوز والظفر بكل مراد مؤكدا للدعاء إلى الصلاة على أبلغ وجه.
" ولا شك أنه أحسن مما ورد في بعض الآثار الموقوفة في الموطأ، رواية محمد بن الحسن، وجاء مع عبد الرزاق عن ابن عمر رضي الله عنهما، وصرح الحفاظ بأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: " حي على خير العمل "، لأنه مع كونه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد صار شعار الروافض لا يشمل جميع الأعمال الصالحة، وكان الوارد في الصحيح أبلغ من وجهين: من جهة أنه شامل لكل خير، ومن جهة التعبير عن ذلك باللازم الذي هو الغاية المترتبة على العمل تحبيبا فيه، وتشويقا إليه، مع أنه كان يقوله بعد: حي على الفلاح ".
" ولما كان تطاول الصولة بالإذلال والقهر، موجبا لاستبعاد الإقبال على كل عمل من أعمال الشرع على سبيل القهر، أكد هذا الكلام الداعي إلى كل خير لهذا وللإشارة إلى أنه لحسنه جدير " بالتأكيد، وأهل لأن يعرف بمقدار لجلالة آثاره، فقال: " حي على الفلاح "، وفيه إشارة إلى أن الأمر خطير، والطريق صعب، فلا بد من التأهب له بأعظم الزاد، لتحصل الراحة في المآل والمعاد.
" ولما كان المدعو قد يكون نائما، وكان النوم قد يكون خيرا، إما بأن يكون القصد به راحة البدن للتقوي على الطاعة، أو أن يكون للتخلي عن المعصية، وكان أكثر ما يكون ذلك في آخر الليل، كان التثويب خاصا بأذن الصبح، فقال فيه: " الصلاة " - التي هي أعظم الفلاح، ومن أعظم مقاصد هذا الأذان الإعلام بوقتها والدعاء إليها - " خير من النوم ". ولما كان من يغلبه