الباب الرابع في سؤال اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروح روى الإمام أحمد والشيخان والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وغيرهم عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: " كنت أمشي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حرث المدينة - وفي لفظ: حرث الأنصار وفي لفظ: في نخل - وهو متوكئ على عسيب - وفي لفظ: ومعه جريدة، إذ مر اليهود - وفي لفظ: إذ مر بنفر من اليهود - فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح، وقال بعضهم: لا تسألوه، لا يسمعكم ما تكرهون - وفي لفظ: لا يستقبلكم بشئ تكرهونه - فقال بعضهم لبعض: لنسألنه، فقام إليه رجل - وفي لفظ: فقاموا إليه فقالوا: " يا محمد " - وفي لفظ: " يا أبا القاسم ما الروح "؟ - وفي لفظ: " فأخبرنا عن الروح، كيف تعذب الروح الذي في الجسد؟ وإنما الروح من الله عز وجل " فسكت - وفي لفظ: فما زال متكئا على العسيب، فعلمت أنه يوحى إليه، فتأخرت فلما نزل الوحي قال: " ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) (1). (الإسراء: 85) وفي رواية عند ابن جرير بسند رجاله ثقات عن مغيرة عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود رضي الله عنه: فقالوا: " هكذا نجده في كتابنا ". فقال بعضهم لبعض: " وقد قلنا لكم: لا تسألوه ".
تنبيهات الأول: دل حديث ابن مسعود على أن نزول هذه الآية كان بالمدينة وروى الإمام أحمد والترمذي وصححه، والنسائي وابن حبان عن ابن عباس قال: قالت قريش ليهود: اعطونا شيئا نسأل عنه هذا الرجل. فقالوا: سلوه عن الروح. فنزلت: (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا). قالوا: " أوتيتم علما كثيرا. أوتينا التوراة، ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيرا كثيرا ". فأنزل الله عز وجل (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا) (الكهف 109) سند رجاله رجال صحيح مسلم، ورواه ابن إسحاق من وجه آخر نحوه، وسبق في باب امتحان المشركين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأشياء لا يعرفها إلا نبي.
وروى ابن إسحاق وابن جرير عن عطاء بن يسار قال: نزلت بمكة: (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا)، فلما هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة أتاه أحبار يهود فقالوا: يا محمد، بلغنا أنك تقول: (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) أفعنيتنا أم عنيت قومك؟ قال: " لا بل