الباب السادس في دفع شبهة أهل الزيغ في استحالة المعراج اعلم أن الاسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخالف في وقوعه أحد من المسلمين، وإنما طعن فيه أهل الزيغ بشبه باطلة. وقد تصدى الإمام الرازي وغيره للرد عليهم، وأنا مورد تلك الشبه ثم أتبعها بالرد. قال أهل الزيغ والضلالة قبحهم الله تبارك وتعالى: (الحركة البالغة في السرعة إلى هذا الحد غير معقولة، ولو صعد إلى السماوات لوجب خرق الأفلاك، وذلك محال، وصعود الجرم الثقيل إلى السماوات غير مقبول، ولان هذا المعنى لو صح لكان أعظم من سائر معجزاته، وكان يجب أن يظهر ذلك عند اجتماع الناس حتى يستدلوا به على صدقه من ادعاء النبوة، فأما أن يحصل ذلك في وقت لا يراه فيه أحد ولا يشاهده فإن ذلك يكون عبثا لا يليق بالحكيم).
وأجيب عن الأول أن الحركة البالغة في السرعة إلى هذا الحد ممكنة في نفسها، والله قادر على ذلك، ويدل على صحته أن الفلك الأعظم يتحرك من أول الليل إلى آخره ما يقرب من نصف الدور، وثبت في الهندسة أن نسبة القطر إلى الدور نسبة الواحد إلى ثلاثة وسبع فبتقدير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتفع من مكة إلى ما فوق الفلك الأعظم فهو لم يتحرك إلا إلى مقدار نصف القطر. فلما حصل في ذلك القدر من الزمان نصف الدور كان حصول الحركة بمقدار نصف القطر أولى بالامكان، فهذا برهان قاطع على الارتفاع من مكة إلى ما فوق العرش في مقدار ثلث الليل وأنه أمر ممكن في نفسه. وإذا كان كذلك كان حصوله في كل الليل أولى بالامكان.
وأيضا ثبت في الهندسة أن ما بين طرفي قرص الشمس ضعف ما بين طرفي كرة الأرض مائة وستين مرة، ثم أنا نشاهد طلوع القرص يحصل في زمان لطيف سريع، فدل على أن بلوغ الحركة في السرعة إلى هذا الحد أمر ممكن في نفسه. فإن كان الكلام مع من لا يعرف الهندسة فنقول له: أنت تشاهد الشمس والقمر والنجوم تقطع من الشروق إلى الغروب مسافة لا يقدر على قطعها في أعوام كثيرة.
وأيضا كانت الرياح تسير لسليمان بن داود عليهما السلام إلى المواضع البعيدة في الأوقات اليسيرة، قال الله تعالى: (غدوها شهر ورواحها شهر) [سبأ: 12]، والحس يدل على ذلك وهو أن الرياح تنفذ عند شدة هبوبها من مكان إلى مكان آخر في غاية البعد في اللحظة الواحدة. وقد أحضر الذي عنده علم من الكتاب كرسي بلقيس من أقصى اليمن إلى