النبي صلى الله عليه وسلم من ربه وقربه منه إبانة لعظيم منزلته وتشريف رتبته اعتناء بشأنه وإظهارا لما لم يؤته أحدا غيره وإشراق أنوار معرفته ومشاهدة أسرار غيبه وقدرته، كما قال جعفر بن محمد: (الدنو من الله تعالى لا حد لا ينتهي إليه مطمح فهم أو مطرح وهم، ومن العباد بالحدود الغائية المنتهية إلى غاية).
وقال أيضا: (انقطعت الكيفية عن الدنو، ألا ترى كيف حجب جبريل عن دنوه ودنا محمد إلى ما أودع قلبه من المعرفة والايمان فتدلى بسكون قلبه إلى ما أدناه إليه وأزال من قلبه الشك والارتياب أي الذي عرا خاطره: هل يغشى حضرة هذا القرب وينال مواهبه من إنافة وإكرام وشرف وإنعام فأنجح الله أمنيته لا الشك في ذلك، إذ كان أثبت الناس معرفة وإيمانا وأسكنهم جنانا وأملكهم طمأنينة وسكونا، وإنما الدنو والقرب من الله تعالى أو إليه كناية عن جزيل فوائده إليه وجميل عوائده عليه وتأنيس لاستيحاشه بانقطاع الأصوات عنه، وبسط بالمكاملة وإكرام بشرائف منيفة، يتأول في دنوه تعالى منه ما يتأول به في قوله صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الاخر) (1)، على أحد الوجوه من أن نزوله تعالى إنما هو نزول إفضال وإجمال وقبول توبة وإحسان بمعرفة وإشفاق).
وقال الواسطي: (من توهم أنه بنفسه دنا فقد جعل ثم مسافة ولا مسافة لاستحالتها بل كلما دنا بنفسه من الحق تدلى بعدا، يعني كلما قرب منه نزل بساحة البعد كناية عن نفيهما جميعا أو عن إدراك حقيقته إذ لا يدركها أحد، ولا دنو للحق ولا بعد، لاستحالتهما. وأما قوله تعالى: (فإني قريب) فتمثيل لكمال علمه وإجابة لتعاليه عن القرب مكانا. ويتأول في الدنو ما يتأول في قوله صلى الله عليه وسلم في حديث رواه البخاري حكاية عن ربه تبارك وتعالى: (من تقرب مني سشبرا تقربت منه ذراعا)، وهو تمثيل يقرب المعنى للأفهام، أي من تقرب إلى طاعتي جازيته بأضعاف ما تقرب به إلي. (ومن أتاني يمشي أتيته هرولة)، أي سبقته بجزائه، فهو أقرب بالإجابة والقبول، وإتيان بإحسان، وتعجيل المأمول، ثوابا مضاعفا على حسب ما تقرب به، وقد سبق به طريق المشاكلة فمساه تقربا).
التاسع: تصريحه بأن امتناعه صلى الله عليه وسلم من الرجوع إلى سؤال ربه تبارك وتعالى في طلب التخفيف كان عند الخامسة، ومقتضى رواية ثابت أنه كان بعد السابعة. العاشر: قوله: (فعلا به الجبار)، وهو مكانه تقدم ما فيه. الحادي عشر: رجوعه بعد الخمس، والمشهور في الأحاديث أن موسى أمره بالرجوع بعد أن انتهى التخفيف إلى خمس فلم يرجع. الثاني عشر:
زيادة ذكر (التور) بالتاء المثناة في الطست، فإنه قال: (أتي بطست من ذهب فيه تور من