عليه من التبليغ، فقد كان في كل مرة عازما على تبليغ ما أمر به (وقول أبي جعفر إنما كان شافعا ومراجعا ينفي النسخ فإن النسخ قد يكون عن سبب معلوم فشفاعته عليه السلام لأمته كانت سببا للنسخ لا مبطلة لحقيقته، ولكن المنسوخ ما ذكرنا من حكم التبليغ الواجب عليه قبل النسخ وحكم الصلوات الخمس في خاصته وأما أمته فلم ينسخ عنهم حكم (إذ) لا يتصور نسخ الحكم قبل وصوله إلى المأمور به. وهكذا كله أحد الوجهين في الحديث.
والوجه الثاني: أن يكون هذا خبرا لا تعبدا وإذا كان خبرا لم يدخله النسخ، ومعنى الخبر أنه عليه السلام، أخبره ربه أن على أمته خمسين صلاة ومعناه: أنها خمسون في اللوح المحفوظ، وكذلك قال في آخر الحديث: هي خمس، وهي خمسون والحسنة بعشر أمثالها، فتأوله رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنها خمسون بالفضل، فلم يزل يراجع ربه حتى بين له أنها خمسون في الثوب لا بالعمل.
التنبيه الثاني والمائة: قد علم مما سبق جواز نسخ الفعل قبل التمكن من فعله، وأن ذلك صحيح في حقه صلى الله عليه وسلم، وغير صحيح بالنسبة لأمته لاستحالة النسخ قبل البلاغ إذ شرط التكليف تمكين المكلف من العلم به، أي إذا لم يكن العلم به شرطا فإن نسخ التكليف قبل البلاغ يناقض ذلك.
وقال ابن دحية: " يصح النسخ في حق الأمة أيضا بأن الإسلام يوجب على كل مسلم الدخول في فروغه وفي شرائع الدين بتفصيلها، وكل من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته دخل في الإسلام، على أن هنالك تكاليف منها ما نزل وبين بكل وجه، ومنها ما نزل مجملا من وجه ومبينا من وجه، ومنها ما لم ينزل بعد وسينزل، والإيمان والالتزام شامل للجميع. فكما يجوز نسخ التكليف بعد أن يبلغ بخصوصية يجوز أيضا قبله. وأكثر القواعد أن ما وجب مجملا ثم بين في وقت الحاجة كالصلاة والزكاة، لم يقترن بأول وجوبها ذكر أعدادها ولا إعدادها ولا أوقاتها ولا هيئاتها ولا شرائطها، بل للتكليف بها مستقر مع هذه الإجمالات، لأن المكلف بالالتزام الأول قد دخل على الالتزامها على ما هي عليه في نفس الأمر. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن الإسلام هو " أن تشهد ألا إله إلا الله وأني رسول الله وتقيم الصلاة والمكتوبة وتؤدي الزكاة المفروضة وتصوم شهر رمضان وتحج البيت (1) ". فنجز التكليف عليه بهذه القواعد مجملة غير مبينة ".
التنبيه الثالث والمائة: قال ابن دحية: " أذا سمعت العلماء يتكلمون على النسخ قبل