يقولون: (حسنات الأبرار سيئات المقربين)، لان إبراهيم عليه السلام لم يتكلم في هذا الشأن بسبب أن مقامه أعلى من الكلام، فلو تكلم لكان ذلك في حقه سيئة بالنسبة إلى مقامه الخاص، وموسى عليه السلام كان كلامه مما يتقرب به إلى مقامه الخاص، كل منهم له مقام خاص لا يتعداه).
التنبيه الخامس والتسعون: قال ابن دحية: (في هذه المراجعة التي وقعت بين موسى والنبي عليهما السلام فوائد منها: تكرار الشفاعة في القصة الواحدة إلى أن يتم مقصود الشافع، ومنها أن الامر إذا انتهى إلى حد الالحاح كان الأولى الترك، ومنها تعظيم الامر الذي لا يقدر عليه، ومنها الرجوع إلى المشير الناصح، ومنها أن الشافع لا يتوقف على طلب المشفوع له في ذلك، ومنها أن الشافع يقيم عذر المشفوع له عند المشفوع عنده في ذلك، ومنها أنه لا يمتنع من الشفاعة وإن كان داخلا فيها).
التنبيه السادس والتسعون: إنما امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من طلب التخفيف في المرة العاشرة لما أمره موسى بذلك لامرين:
أحدهما: أن الامر إذا انتهى إلى حد الالحاح كان الأولى الترك.
ثانيهما: أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم تفرس أن هذا العدد لا يحط عنه فاستحى أن يسأل في مظنة الرد، ووجه التفرس أن الله تعالى أدرج التخفيف خمسا خمسا من خمس إلى خمس.
فالقياسي أنه إن خفف بحذف الخمسة الأخيرة ارتفعت الصلاة بجملتها، وقد علم أنه لابد من وظيفة، فلهذا ترك السؤال، وكشف الغيب أن العلم القديم تعلق ببقاء هذه الخمس، ولهذا بقيت، فصدقت الفراسة، وأصابت الفكرة، ولهذا جاء في بعض الطرق أن النبي صلى الله عليه وسلم لما امتنع من المراجعة في العاشرة نادى مناد: (أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي).
التنبيه السابع والتسعون: قال ابن دحية: (دلت مراجعته صلى الله عليه وسلم في طلب التخفيف تلك المرات كلها، لأنه علم أن الامر في كل مرة لم يكن على سبيل الالزام بخلاف المرة الأخيرة، ففيها ما يشعر بذلك لقوله تعالى: (ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد) (ق: 29).
التنبيه الثامن والتسعون: قال ابن أبي جمرة: (في امتناع النبي صلى الله عليه وسلم في المرة العاشرة من طلب التخفيف دليل على أن الله سبحانه وتعالى إذا أراد إسعاد عبد جعل اختياره في مرضاة ربه، لان النبي صلى الله عليه وسلم جعل اختياره وإيثاره لما أراد الحق تبارك وتعالى إنفاذه وإمضاءه، وهو فرض الصلوات ا لخمس، وذلك تكريم له صلى الله عليه وسلم ورتفيع، لأنه لو رجع لطلب التخفيف فلم يخفف كما خفف أولا لكان اختياره مخالفا للمقدور. فلما أن اختار وأسعف في اختياره كان دليلا على ما استدللنا عليه وهو علو منزلته صلى الله عليه وسلم، فإنه ما دام يطلب التخفيف أسعف في مناه، ففي كل حال من طلب ومن عدم طلب كان اختياره موافقا للمقدور).