والظاهر أن نقص الخمسين إلى خمس ليس من تبديل القول لأنه تبديل تكليف، وأما بعد الاخبار بالخمس والخمسين فتبديل أخبار.
التنبيه الحادي والمائة: قال أبو الخطاب وتبعه ابن المنير: (جواز النسخ قبل التمكن من الفعل قبل دخول الوقت مذهب أهل السنة خلافا للمعتزلة، وجرى كل فريق على قاعدته وعقيدته. فعند أهل السنة التكليف على خلاف الاستطاعة جائز، بل واقع إذ الافعال كلها مخلوقة لله تعالى، والعبد مطالب بما لا يقدر على إيجاده ولا يتمكن من التأثير في إحرازه، عملا بقوله تعالى: (والله خلقكم وما تعملون) (الصافات: 96) بتقدير أن (ما) هنا مصدرية، والمعتزلة تجعل (ما) هنا موصولة وجروا على عقيدتهم في إعتقادهم أن العبد يخلق فعل نفسه، ويوجد طاعة ربه باستطاعته واختياره، ولا يسقط التكليف عندهم على خلاف الاستطاعة فلا يتصور النسخ قبل التمكن من الفعل كما تتصور قاعدته. واستدل أهل السنة على جواز النسخ قبل التمكن بأنه وقع. وأي دليل على الجواز أتم من الوقوع؟
ومثلوا ذلك بقصة الذبيح فإن الله تعالى أمر إبراهيم بذبح ولده، ثم خفف ذلك ونسخه إلى الفداء قبل أن يمضي زمن يسع الذبح ولا يمكن فيه الفعل. ومن هنا ضاقت على المعتزلة المضايق حتى غالطوا في الحقائق، واختلفوا في الأجوبة، فمنهم من قال لم يأمره بالذبح لان ذلك كان في المنام لا في اليقظة، ولا عقل أضل من عقل من زعم أنه استظهر على نبي في واقعة هو صاحبها وقضى فيها ومنه ظهرت، وعنه أثرت، فإن الذبيح قال فيما حكاه الله تعالى وصوبه (يا أبت افعل ما تؤمر) (الصافات: 102)، ونحن نقول إن راوي الحديث أعرف بتأويله وتفسيره، وأقعد بتبيينه وتنزيله.
وحتى لو تعارض تأويلان قدمنا تأويل صاحب الواقعة لأنه أفهم لها. فكيف لا يقدم تأويل الذبيح النبي الذكي المسدد المصوب من رب العالمين على تأويل المبتدع الضال الحائر المسكين؟ ومنهم من قال: أمر ولكن بالمقدمات: الشد والتل والصرع وتناول (المدية).
وهذا من الطراز الأول لتهافت القول، فإن إبراهيم قال: (إني أذبحك) (الصافات: 102) ولم يقل أصرعك، وأيضا ليست المقدمات (بلا)، ولا سيما في حق إبراهيم عليه السلام الذي علم أن الحال لا ينتهي بغى رالاضطجاع خاصة لما لا يتعنى حينئذ للفداء، فهذا أحيد عن السنن وجنوح إلى العناد والغبن.
ومنهم من قال: (أمر بالذبح وفعل، ولكن انقلبت السكين أو لم تقطع، أو انقلبت العنق حديدا، وهذا من النمط المردود، وحاصله النقل بالتقدير وهو الكذب بعينه، ومنهم من قال:
(ذبح والتحم)، وهذه معايرة النقول ومكابرة العقول. وذلك أن الامر لو كان على هذه المثابة