وفيه دليل للصوفية حيث يقولون: (إن الحال حامل (لا محمول)، لان النبي صلى الله عليه وسلم لما أن ورد عليه حال الاشفاق على أمته بادر إلى طلب التخفيف عنهم ولم ينظر لغير ذلك، ثم لما ورد عليه حال الحياء من الله تعالى لم يلتفت لامته إذ ذاك ولا طلب شيئا).
التنبيه التاسع والتسعون: في هذا الحديث دليل على أن قدر الله تعالى على قسمين، كما قدمنا. فالقدر الذي قدره وقدر ألا ينفذ بسبب واسطة أو دعاء هو فرضه هنا للخمسين صلاة لأنه تعالى لما أن أمر بالخمسين أولا وسبقت إرادته ألا ينفذ ذلك جعل بحكمته موسى هناك سببا لرفع ذلك. والقدر الذي قدر إنفاذه ولا يرده راد هو فرضه للخمس صلوات لأنه تعالى لما أن أمر بها وسبقت إرادته بإمضائها لم ينفع كلام موسى عليه السلام إذ ذاك لأنه من القدر المحتوم.
التنبيه الموفى مائة: قال ابن دحية: (فإن قلت: ما معنى قوله تعالى: (ما يبدل القوم لدي) (ق: 29)؟ فإن كان المراد لا يبدل الخبر فكيف يطلق الحديث، لان السياق في الاحكام فلهذا نسخ الخمسين إلى خمس وتبديل النسخ لا يبقى، فإن كان المراد لا يبدل الحكم فقد تقرر أن النسخ في الاحكام جائز وقد وقع في هذا الحديث إلى خمس. فالجواب أنه تعالى إذا أخبر عن الحكم أنه مؤبد استحال التبديل والنسخ حينئذ لأجل العلم، وقد أخبر الله تعالى أنه الفريضة أي أبدها فلا يبدل الخبر ولا يتوقع النسخ بعد ذلك والله تعالى أعلم).
ويكون المراد أنه تعالى وعد هذه الأمة على ألسنة الملائكة أو في صحفها أن لهم أجر خمسين صلاة في كل يوم وليلة، فلما نسخها إلى خمس حصل للعدد نقص، وإن الاجر المراد لم ينقص لان الحسنة بعشر أمثالها، ولهذا قال تعالى: (هن خمس وهن خمسون أي هن خمس عددا وخمسون اعتدادا، ذلك الفضل من الله، ويكون ذلك كقوله في الصيام: (من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال فكأنما صام الدهر) (1)، بتأويل أن الحسنة بعشر أمثالها، فستة وثلاثون في عشرة بثلثمائة وستين عدد أيام السنة.
واعتبرت الصلاة بما تحتاج إليه كل صلاة من وضوء ونحوه، فوجد لهاما يأتي على ساعتين وبعض الساعة غالبا، فعلم بذلك أن الخمسين لو استقرت على أمة لاستوعبت اليوم والليلة لما تحتاج إليه كل صلاة من طهارة وغيرها، وكانت الطهارة واجبة التجديد في أول الأمر ، ثم نسخ الوجوب إلى الندب، فكأن المصلي من هذه الأمة لهذه ا لخمس استوعب الدهر صلاة وكأنه أيضا استوعب الدهر صياما.