يضحك منذ خلقت النار إلا هذه المرة التي ضحك فيها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكون الحديث عاما يراد به الخصوص أو يكون الحديث الأول حدث به رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل هذا الحديث الاخر، ثم حدث بعد بما حدث به من ضحكه إليه).
التنبيه التاسع والسبعون: المناسبة بين المعراج التاسع - وهو المستوى الذي سمع فيه صريف الأقلام - والعام التاسع من سني الهجرة. قال ابن دحية: (كان في العالم التاسع غزوة تبوك وفيها خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى الشام في العدد ا لذي لم يتم قبله مثله، كان العدد ثلاثين ألفا، وكانت الشقة بعيدة، ولهذا لم يور فيها، بل أعلم الناس بوجههم ليكون تأهبهم بحسب ذلك، ومع هذا الاجتهاد في الاستعداد لم يلق صلى الله عليه وسلم حربا ولا افتتح بلدا، لان أجل فتح الشام لم يكن حل بعد، فانتسخ العزم بالقدر وبجفاف القلم ورجع صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وعلى المسلمين الوقار والسكينة من غير اضطراب عند انصراف العزيمة.
التنبيه الثمانون: صريف الأقلام، بالصاد المهملة وكسر الراء وبالفاء. قال القاضي والنووي رحمهما الله تعالى: هو صوت حركتها وجريانها على ما تكتبه الملائكة من أقضية الله تعالى ووحيه وما ينسخونه من اللوح المحفوظ أو ما شاء الله من ذلك أن يكتب ويرفع لما أراده من أمره وتدبيره. وفيه حجة لأهل السنة في الايمان بصحة كتابة الوحي والمقادير في كتب الله تعالى من اللوح المحفوظ بالأقلام التي هو يعلم كيفيتها على ما جاءت به الآيات في كتابه والأحاديث الصحيحة، وأن ما جاء من ذلك على ظاهره، لكن كيفية ذلك وصورته وجنسه لا يعلمه إلا الله تعالى، ومن أطلعه على شئ منه من ملائكته ورسله. وما يتأول هذا ويحيله إلا ضعيف النظر والايمان، إذ جاءت به الشريعة، ودليل العقول لا يحيله، والله تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، حكمة من الله وإظهارا لما يشاء من غيبه لمن يشاء من ملائكته وسائر خلقه وإلا فهو غني عن الكتب والاستذكار.
التنبيه الحادي والثمانون: قال ابن دحية: (قد علم أن الأقلام إنما تكتب الاقدار، والقدر المكتوب قديم، وإنما الكتابة حادثة. وظاهر الاخبار أن اللوح المحفوظ فرغ من كتابته وجف القلم بما فيه قبل خلق السماوات والأرض، وإنما هذه الكتابة المحدودة في صحف الملائكة كالفروع المنتسخة من الأصل، وفيها المحو والاثبات على ما ورد في الأثر. وأصل اللوح المحفوظ الذي انتسخ منه اللوح هو علم الغيب القديم في أزل القدم وهو الذي لا محو فيه ولا إثبات حيث لا لوح ولا قلم.
والحكمة البالغة - والله أعلم - في سماعه لصريف الأقلام حصول الطمأنينة بجفاف القلم بما في القدر حتى يمكن التفويض للقدر لا للسبب، وحتى يتعاطى السبب تعبدا لا