الفصول المهمة في معرفة الأئمة - ابن الصباغ - ج ١ - الصفحة ١٢٣
أنه لما قدم وفد نجران (1) على رسول الله (صلى الله عليه وآله) دخلوا عليه مسجده بعد صلاةالعصر
(١) نجران من مخاليف اليمن من ناحية مكة. والمخلاف في لغة اليمن كالكورة والصقع في غيرها وكالرستاق في العراق. وذكرت لتنصر أهلها أسباب لا يعول على نقلها ولا تلائم الحقيقة بصحتها. وفد أساقفتهم على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فدعاهم إلى المباهلة إلى آخره، لكنهم صالحوه سنة عشرة من الهجرة وكتب لهم بذلك كتابا. ويروى أنه لما ولي أبو بكر أمضاه ولما ولي عمر أجلاهم واشترى منهم أموالهم.
وقيل: نجران - بفتح النون وسكون الجيم - بلد كبير على سبع مراحل من مكة إلى جهة اليمن يشتمل على ثلاث وسبعين قرية. (انظر آلاء الرحمن في تفسير القرآن تأليف المجاهد الشيخ محمد جواد البلاغي: ١ / ٢٩٠ هامش ١ الطبعة الثانية قم، وانظر البداية والنهاية لابن كثير تحقيق علي شري: ٥ / ٦٣).
ونجران من بلاد اليمن، والوفد مكون من ستين (وقيل ثلاثين رجلا كما جاء في كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام): ٢١٣) راكبا، فيهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم يؤول أمرهم إليهم، وهم: العاقب واسمه عبد المسيح، والسيد وهو الأيهم، وأبو حارثة بن علقمة أخو بكر بن وائل، وأويس بن الحارث، وزيد، وقيس، ويزيد وابناه، وخويلد، وعمرو، وعبد الله، ومحسن. (انظر سيرة ابن هشام: ١ / ٥٧٤).
إن تخصيص النبي (صلى الله عليه وآله) عليا وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) من بين جميع أقاربه للمباهلة إما لكونهم أقرب إلى الله سبحانه وتعالى بعده (صلى الله عليه وآله) ولذلك استعان بهم في الدعاء على وفد نجران دون المسلمين، وإما لكونهم أعز البشرية عنده (صلى الله عليه وآله) ولذلك أظهرهم وباهل بهم لوثوقه (صلى الله عليه وآله) بأن الله تعالى يعزهم، وليعلم العدو بأنه (صلى الله عليه وآله) أخرج للمباهلة أعز الناس وأقربهم إليه وإلى الله تعالى، وهذا مما لا يفرط به عاقل إلا بعد أن يثق بأن هؤلاء لو أقسموا على الله بشيء كإزالة الجبال لبرهم وأزالها، ولذلك التفت وفد نجران لما عندهم من الخبرة والفراسة والأخبار في كتبهم، ولسنا بصدد بيان ما موجود في كتب النصارى من علامات ودلائل على إمامة ومكانة هؤلاء. وهو (صلى الله عليه وآله) الذي عادى في سبيل الله عمه أبو لهب صاحب الآية الكريمة (تبت يدآ أبى لهب وتب...) المسد: ١. وهو الذي قاتل وقاطع عشيرته الأقرب والأبعد وقرب من ليس له نسب ولا حسب لتقواه وولاءه لله، كما قال سيد الساجدين: ووالى فيك الأبعدين، وعادى فيك الأقربين.
(بحار الأنوار: ٣٥ / ٢٦٧).
فمن هذا وذاك لم يبق ايراد الأستاذ محمد عبده وتلميذه محمد رشيد رضا صاحب تفسير المنار حيث يقول: إنه (صلى الله عليه وآله) اختار هؤلاء للمباهلة، ولكن هذا لا يعني أننا نحمل كلمة " نساءنا " على فاطمة (عليها السلام) وذلك لأن العربي لا يقولها ويريد بها بنته لا سيما إذا كان لها زوج، هذا أولا.
وثانيا: لا يفهم من لغة العرب هنا المعنى الذي قالت به الشيعة، وبالتالي فأبعد منه أن يراد ب " أنفسنا " علي.
وثالثا: أن وفد نجران قالوا نزلت فينا الآية ولم يكن معهم نساؤهم ولا أولادهم فكيف يفهم ذلك كما يروج الشيعة. بل كل ما يفهم من الآية أن النبي (صلى الله عليه وآله) أمر أن يدعو المحاجين والمجادلين في عيسى (عليه السلام) إلى الاجتماع رجالا ونساء وأطفالا، ويجمع هو (صلى الله عليه وآله) رجالا ونساء وأطفالا، ويبتهلون إلى الله بأن يلعن الكاذب فيما يقول عن عيسى... وهذا الطلب يدل على قوة يقين صاحبه وثقته بما يقول... (تفسير المنار: ٣ / ٣٢٢ بتصرف).
ولسنا بصدد مناقشته (رحمه الله) بل نريد أن يرجع أتباعه وأصحابه إلى المصادر التي ذكرناها سابقا ثم يحسب النسبة الموجودة، فهل أن الأكثرية في الروايات هي واردة في مصادر الشيعة أم في مصادر أهل السنة؟
وهل أن الفخر الرازي المفسر الكبير هو من أهل الشيعة حتى ادعى الاتفاق على صحة هذه الروايات (راجع تفسيره: ٨ / ٨٠) مع أنه معروف بين العلماء أنه إمام المشككين، هذا أولا. وثانيا هل أن الرواة من أمثال أبي الطفيل عامر بن وائلة ومجاهد بن جبر المكي ويحيى بن النعمان وعامر بن شراحيل الشعبي وقتادة، والحسن البصريوأنس بن مالك وسعد بن أبي وقاصوعثمان بن عفان وغيرهم الذي عدهم ابن طاووس في كتابه سعد السعود: ص ٩١ إلى أحد وخمسين طريقا هم من الشيعة؟ وهل أن مسلما والبخاري في صحيحيهما هما من الشيعة؟ وهل أن الطبري وأبي الفداء وابن كثير والسيوطي وغيرهم كثيرين هم من الشيعة؟ فتلك كلمة خاسرة وواهية منه ومن تلميذه.
ومن أراد أن يتعرف أكثر على معرفة خسرانه وعدم معرفته بأدنى مستويات وأوليات اللغة والتفسير فليراجع كتاب العلامة صاحب تفسير الميزان: ٣ / 257 - 264، وها هو قول الرازي نجعله خاتمة المطاف حيث يقول: إن الآية دالة على أن الحسن والحسين (عليهما السلام) كانا ابني رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعد أن يدعو ابنيه فدعاهما فوجب أن يكونا ابنيه. ومما يؤكد ذلك قوله تعالى (ومن ذريته داوود وسليمن... وزكريا ويحيى وعيسى...) الأنعام: 84. ومعلوم أن عيسى (عليه السلام) انتسب إلى إبراهيم بالأم لا بالأب فثبت أن ابن البنت قد يسمى ابنا.