الفصول المهمة في معرفة الأئمة - ابن الصباغ - ج ١ - الصفحة ٧١
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي جعل من صلاح هذه الأمة نصب الإمام العادل (1)،
(١) الإمام لغة: الإنسان الذي يؤتم به ويقتدى بقوله أو فعله، محقا كان أم مبطلا، وجمعه: أئمة، وإمام كل شيء:
قيمه والمصلح له، والقرآن الكريم إمام المسلمين، و يعني المثال، والخيط الذي يمد على البناء، و يعني الخشبة، أي خشبة البناء يسوي عليها البناء، وتعني الحادي إمام الإبل; لأنه الهادي لها. (انظر لسان العرب مادة " أم "، ومحيط المحيط للمعلم بطرس البستاني: ١٦ ط لبنان، المفردات للراغب الإصفهاني: ٢٤).
وقد وردت كلمة " الإمام " في آيات كثيرة من القرآن الكريم، منها: (يوم ندعوا كل أناسم بإممهم فمن أوتى كتابه بيمينه فأولالك يقرءون كتبهم ولا يظلمون فتيلا) الإسراء: ٧١. وقال تعالى: (قال إني جاعلك للناس إماما) البقرة: ١٢٤. وقال تعالى: (ومن قبله كتب موسى إماما ورحمة) هود: ١٧. وقال تعالى: (وجعلناهم ألمة يهدون بأمرنا) الأنبياء: ٧٣. وقال تعالى: (فقتلوا ألمة الكفر إنهم لآ أيمن لهم لعلهم ينتهون) التوبة: ١٢. وقال تعالى: (وجعلناهم ألمة يدعون إلى النار ويوم القيمة لا ينصرون) القصص: ٤١. وقال تعالى: (وجعلنا منهم ألمة يهدون بأمرنا لما صبروا...) السجدة: ٢٤. وقال تعالى:
(واجعلنا للمتقين إماما) الفرقان: ٧٤. وقال تعالى: (فانتقمنا منهم وإنهما لبإمام مبين) الحجر: ٧٩.
ومن خلال التأمل في الآيات الكريمة و معاني اللغويين يظهر لنا أن كلمة " الإمام " تدل على معان كثيرة تفيد: القيادة، والزعامة، والقدوة، والرئيس، والقيم، والمصلح، والهادي.
أما اصطلاحا - كما ذكر المحقق الحلي في شرح الباب الحادي عشر: ٤٢، وشرح التجريد للقوشجي: ٢٧٤ - فهي: رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا لشخص من الأشخاص نيابة - خلافة - عن النبي (صلى الله عليه وآله). أو كما ذكر صاحب المواقف: ٣٤٥ هي: خلافة الرسول في إقامة الدين بحيث يجب اتباعه على كافة الأمة. أو - كما قال ابن خلدون في مقدمته: ١٩١ - هي: نيابة عن صاحب الشريعة في حفظ الدين وسياسة الدنيا.
وقد ذكر الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) وصفا دقيقا للإمامة بالمعنى الشرعي نذكر بعضا منه.
قال (عليه السلام): إن الإمامة هي منزلة الأنبياء، و إرث الأوصياء. إن الإمامة خلافة الله، و خلافة الرسول (صلى الله عليه وآله)، ومقام أمير المؤمنين (عليه السلام)، وميراث الحسن والحسين (عليهما السلام). إن الإمامة زمام الدين ونظام المسلمين، وصلاح الدنيا، وعز المؤمنين. إن الإمامة أس الإسلام النامي وفرعه السامي، بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد، وتوفير الفيء والصدقات، وإمضاء الحدود والأحكام، ومنع الثغور والأطراف.
الإمام يحل حلال الله، ويحرم حرام الله، ويقيم حدود الله، ويذب عن دين الله، ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، والحجة البالغة. (الكافي: ١ / ٢٠٠).
إن اختيار الإمام يعود إلى الله وحده، فالشيعة وأكثر المعتزلة متفقون على وجوب الإمامة والخلافة العامة عن طريق العقل و الشرع، ولذا يقول النظام: لا إمامة إلا بالنص والتعيين ظاهرا مكشوفا، وقد نص النبي (صلى الله عليه وآله) على علي (عليه السلام) في مواضع، و أظهره إظهارا لم يشتبه على الجماعة. (الملل والنحل للشهرستاني: ١ / ٥٧ مطبعة مصطفى البابي بمصر ١٩٦١).
ولهذا فهي رئاسة عامة إلهية، خلافة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أمور الدين والدنيا، و تولي السلطة المطلقة التي كانت للنبي (صلى الله عليه وآله) دون استثناء.
إذن الإمام هو ذلك الإنسان المعين من قبل الله تعالى لهداية الناس، و شرطه: أن يكون معصوما من الذنوب، وقد نص على الإمام علي (عليه السلام) من الكتاب بآيات نذكر عدة منها: (وأنذر عشيرتك الأقربين) الشعراء: ٢١٤. وقال تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلوة ويؤتون الزكوة وهم ركعون) المائدة: ٥٥.
قال العلامة الحلي في كتاب كشف المراد: والاستدلال بهذه الآية يتوقف على مقدمات:
إحداها: إن لفظة " إنما " للحصر، ويدل عليه المنقول والمعقول، أما المنقول فلإجماع أهل العربية عليه، وأما المعقول فلأن لفظة " إن " للإثبات، و " ما " للنفي قبل التركيب، فيكون كذلك بعد التركيب عملا بالاستصحاب، وللإجماع على هذه الدلالة، ولا يصح تواردهما على معنى واحد، ولا صرف الإثبات إلى غير المذكور والنفي إلى المذكور للإجماع، فبقي العكس، وهو صرف الإثبات إلى المذكور، والنفي إلى غيره، وهو معنى الحصر.
الثانية: إن الولي يفيد الأولى بالتصرف، والدليل عليه نقل أهل اللغة واستعمالهم، كقولهم: السلطان ولي من لا ولي له، وكقولهم: ولي الدم وولي الميت، وكقوله (عليه السلام): أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل.
الثالثة: إن المراد بذلك بعض المؤمنين، لأنه تعالى وصفهم بوصف مختص ببعضهم، ولأنه لولا ذلك للزم اتحاد الولي والمولى عليه.
وإذا تمهدت هذه المقدمات فنقول: المراد بهذه الآيات هو علي (عليه السلام); للإجماع الحاصل على أن من خصص بها بعض المؤمنين قال: إنه علي (عليه السلام)، فصرفها إلى غيره فرق للإجماع، ولأنه (عليه السلام) إما كل المراد أو بعضه للإجماع، وقد بينا عدم العمومية، فيكون هو كل المراد، ولأن المفسرين اتفقوا على أن المراد بهذه الآية " علي " (عليه السلام) لأنه لما تصدق بخاتمه حال ركوعه نزلت هذه الآية فيه، ولا خلاف في ذلك. (كشف المراد: ٣٦٨).
وانظر: إعلام الورى: ١٦٨. وجواهر النقدين في فضل الشرفين: ٣ / ٥٣٤ نقلا عن الإحقاق، واللوامع الإلهية: ٢٧٦، والعمدةلابن البطريق: ١٢٤، والخصائص له: ٦٦، والصراط المستقيم للعلامة البياضي: ١ / ٢٦٥، وتلخيص الشافي للشيخ الطوسي: ٢ / ١٠، وتقريب المعارف للشيخ أبي الصلاح الحلبي: ١٢٧، والغدير للعلامة الأميني: ٣ / ١٦٣، والمراجعات للسيد شرف الدين: 235، ودلائل