الفصول المهمة في معرفة الأئمة - ابن الصباغ - ج ١ - الصفحة ٢٠٧
فصل في محبة الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) له (عليه السلام) وذلك أنه صح النقل في كتب الأحاديث الصحيحة والأخبار الصريحة: عن أنس بن مالك (رض) قال: أهدي إلى النبي (صلى الله عليه وآله) طير مشوي يسمى الحجل (1). وفي
(١) حديث الطائر المشوي هو أشهر من أن يذكر، فقد روته جل مصادر أهل الشيعة والسنة، وقد بلغ سنده حد التواتر، وقد رواه خمسة وثلاثون رجلا من الصحابة عن أنس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله). انظر الحديث في سنن الترمذي: ٥ / ٣٠٠ / ٣٨٠٥ و ٥٩٥ / ٣٧٢ و ٦٣٦ / ٣٧٢١ وصحيح الترمذي: ٢ / ٢٩٩. وروي عن جابر بن عبد الله الأنصاري، وعن سفينة مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وعن عبد الله بن عباس، وعن علي بن أبي طالب (عليه السلام) كلهم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع أن الواقعة وقعت مرة واحدة، لكن مضامين الأحاديث واضحة التواتر اللفظي والمعنوي.
وتلقى الأصحاب هذا الحديث بالقبول واحتج به الإمام علي (عليه السلام) يوم الشورى. وقد صنف فيه أهل الحديث والسير مصنفات كثيرة وبطرق متعددة وذكروا أسماء رواة الحديث حتى قيل إنهم بلغوا ٩١ شخصا كما ذكر صاحب عبقات الأنوار في المجلد الرابع وعد منهم: أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، وأحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، وعباد بن يعقوب الرواحبي، وغيرهم، وعد ٢٥٠ كتابا من كتب أهل السنة.
ونقل هذا الحديث أيضا الطبري المفسر والمؤرخ (ت ٣١٠ ه) والأنباري (ت ٣٥٦ ه) والحاكم النيسابوري (ت ٤٠٧ ه) وابن مردويه (ت ٤١٠ ه) وأبو نعيم الإصفهاني (ت ٤٣٠ ه) ومحمد بن أحمد بن علي المعروف بابن حمدان (ت ٤١١ ه) والذهبي (ت ٧٤٨).
أما أسانيد الحديث فقد أورده الترمذي في جامعة وأبو نعيم في حلية الأولياء: ٦ / ٣٣٩، والبلاذري في تاريخه، والطبري في الولاية، وأحمد في الفضائل، والنطنزي في الاختصاص، وغيرهم.
ورواه الخطيب البغدادي في تاريخه: ٣ / ١٧١ و ٩ / ٣٦٩، وابن بطة في الإبانة، وغيرهم كثير، ولسنا بصدد بيان ذلك، بل ذكرنا ذلك على سبيل المثال لا الحصر. ورواه الأصحاب والتابعين عن الإمام علي (عليه السلام)، وعن جابر، وأنس، وغيرهم وبطرق مختلفة، ولكن لرعاية الاختصار نذكر بعضها:
قال الحافظ أبو أحمد عبد الله الجرجاني (٢٧٧ - ٣٦٥ ه) في كتابه الكامل في ضعفاء الرجال: ٣ ط بيروت: حدثنا عبد الله بن محمد بن إبراهيم المروزي... حدثنا خالد بن عبيد هو أبو حسام، حدثني أنس، قال: بينا أنا ذات يوم عند النبي (صلى الله عليه وآله) إذ جاءه رجل بطبق مغطى فقال: هل من إذن؟ قلت: نعم، فوضع الطبق بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعليه طائر مشوي فقال: أحب أن تملأ بطنك من هذا يا رسول الله، قال (صلى الله عليه وآله): غط عليه، ثم سأل ربه فقال: اللهم أدخل علي أحب خلقك إلي ينازعني هذا الطعام.
ورواه الترمذي من طريق السدي ووثقه: ٥ / ٦٣٦ / ٣٧٢١، والنسائي في الخصائص: ٥، وصححه الحاكم في المستدرك: ٣ / ١٣٠ - ١٣١. وقال: رواه عن أنس أكثر من ثلاثين نفسا، وصححه الذهبي وألف جزء في ما صح عنده من طرقه في تذكرة الحفاظ: ٣ / ١٠٤٣، والبغوي في مصابيح السنة:
٤ / ١٧٣ / ٤٧٧٠، أسد الغابة: ٣ / ٦٠٨ و ٤ / ٣٠ وجامع الأصول: ٩ / ٤٧١، البداية والنهاية: ٧ / ٣٦٣.
وقال الخوارزمي في مقتل الحسين: ٤٦: أخرج ابن مردويه هذا الحديث بمائة وعشرين اسنادا. وقال سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص: ٣٩: قال الحاكم النيسابوري: حديث الطائر صحيح، يلزم البخاري ومسلم إخراجه في صحيحيهما لأن رجاله ثقات، وهو على شرطهما. انظر المستدرك: ٣ / ١٣٠.
وذكر حديث الطيرابن عساكر: ٢ / ١٠٥ و ١١١ بطرق كثيرة ط بيروت، والمسعودي في مروج الذهب: ٢ / ٤٢٥، المسترشد في إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب للحافظ محمد بن جرير الطبري الإمامي تحقيق الشيخ المحمودي: ٣٣٦ و ٥٩٠، بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالةالعثمانية لابن طاووس تحقيق السيد علي الغريفي: ٢٩٢ ط نشر مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لاحياء التراث.
وروى بلفظ اللهم إئتني بأحب خلقك إليك، يأكل معي منه فجاء علي (عليه السلام) فأكل معه، تاريخ دمشقلابن عساكر ترجمة الإمام علي: ٢ / ١١١، وإحقاق الحق: ٧ / ٤٥٢، ونحوه في ينابيع المودة: ٢٠٣، وتذكرة الخواص: ٤٤ وفي لفظ " اللهم ائتني بأحب خلقك يأكل معي من هذا الطير " تاريخ دمشق:
٢ / ٦١٠.
وفي لفظ آخر " ائتني برجل يحبه الله ورسوله " كما في المصدر السابق: ح ٦٠٩. وفي رواية سفينة - مهران - مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله) " أهدت امرأة من الأنصار إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) طيرا بين رغيفين.
وفي رواية " طيرين بين رغيفين " كما في تذكرة الخواص: ٤٤، وفرائد السمطين: ١ / ٢١٤ / ١٦٧، وتاريخ ابن عساكر: ٢ / ١٣٣ / ٦٤١.
وفي رواية " أن أم سلمة صنعت لرسول الله (صلى الله عليه وآله) طيرا أو أضباعا " بإضافة لفظ " وأوجههم عندك " كما في تاريخ ابن عساكر: ٢ / ١١٠. وفي رواية " ابعث إلي أحب خلقك إليك وإلى نبيك يأكل معي من هذه المائدة " كما في المناقبلابن المغازلي الشافعي: ١٥٦ ح ١٩٨٢١٢ و ١٧٣.
وفي رواية " أدخل علي من تحبه وأحبه " كما في تاريخ ابن عساكر: ٢ / ١٢٤ / ٦٢٩، وذخائر العقبىللمحب الطبري: ٦١، الرياض النضرة: ٢ / ١٦٠ و ١٦١، مجمع الزوائد: ٩ / ١٢٥ و ١٢٦، كنز العمال:
٦ / ٤٠٦، كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن المطهر الحلي تحقيق حسين الدرگاهي: ٢٨٨، عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ٢ / ١٨٧ / ٢. أمالي الصدوق: ٥٢١، الخصال: ٥٥١ ح ٣٠، مشكاة المصابيح للخطيب التبريزي: ٣ / ١٧٢١ / ٦٠٨٥، خصائص أمير المؤمنين للنسائي: ٣٤ ح ١٢. المناقبللخوارزمي: ١٠٧ ح ١١٣ - ١٣٥ كفاية الطالب: ١٤٤ - ١٥٦ باب ٣٣، مناقب آل أبي طالب: ٣ / ٥٩.
روى أنس بن مالك - كما جاء في مناقب أبي المغازلي: ١٥٦ - ١٧٥، والمناقب للحافظ الكنجي الشافعي: ١٤٤ - قال: أهدي لرسول الله (صلى الله عليه وآله) طير فقال: اللهم، آتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير، فقلت: اللهم، اجعله رجلا من الأنصار. فجاء علي، فقلت: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) على حاجة، فذهب، ثم جاء فقلت له مثل ذلك، فذهب، ثم جاء فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): افتح ففتحت، ثم دخل، فقال: ما أخرك يا علي؟ قال: هذه آخر ثلاث كرات يردني أنس، يزعم أنك على حاجة، قال: ما حملك على ما صنعت يا أنس؟ قال: سمعت دعاءك فأحببت أن يكون في رجل من قومي، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): إن الرجل قد يحب قومه، إن الرجل يحب قومه.
وعن أنس أيضا - كما ورد في ذخائر العقبى: ٦١ - قدمت امرأة من الأنصار للنبي (صلى الله عليه وآله) طيرا فسمى وأكل لقمة وقال: اللهم ائتني بأحب الخلق إليك وإلي فأتى علي فضرب الباب [فقلت: من أنت؟ قال:
علي] فقلت له: إنه (صلى الله عليه وآله) على حاجة، ثم أكل لقمة وقال مثل ذلك، فضرب الباب علي. [فقلت: من أنت؟
قال: علي] فقلت له: إنه (صلى الله عليه وآله) على حاجة. ثم أكل لقمة وقال مثل الأولى، فضرب علي، فقلت: من أنت؟ قال: علي، قلت: إن رسول الله على حاجة. ثم أكل لقمة وقال مثل ذلك. قال: ثم ضرب علي ورفع صوته، فقال (صلى الله عليه وآله): يا أنس افتح الباب. قال: فدخل علي [فلما رآه (صلى الله عليه وآله) تبسم] وقال لعلي: الحمد لله الذي جعلك، فاني أدعو في كل لقمة أن يأتيني الله بأحب الخلق إليه وإلي فكنت أنت. قال علي:
والذي بعثك إني ضربت الباب ثلاث مرات ويردني أنس. فقال (صلى الله عليه وآله) لم رددته؟ قلت: كنت أحب أن يأكل معك رجل من الأنصار. فتبسم (صلى الله عليه وآله) وقال: لا يلام الرجل على [حب] قومه.
وفي بحار الأنوار: ٣٨ / 348 في حديث طويل عن علي (عليه السلام) قال: كنت أنا ورسول الله (صلى الله عليه وآله) في المسجد بعد أن صلى الفجر، ثم نهض ونهضت معه، فقال لي: أنا متجه إلى بيت عائشة، فمضى، ومضيت إلى بيت فاطمة (عليها السلام) فلم أزل مع الحسن والحسين وهي وأنا مسروران بهما، ثم إني نهضت وصرت إلى باب عائشة، فطرقت الباب، فقالت لي عائشة: من هذا؟ فقلت لها: أنا علي. فقالت: إن النبي (صلى الله عليه وآله) راقد، فانصرفت. ثم قلت: إن النبي راقد وعائشة في الدار؟ فرجعت وطرقت الباب، فقالت لي عائشة: من هذا؟ فقلت: أنا علي، وهكذا تكررت العملية وفي الثالثة قال (صلى الله عليه وآله): يا عائشة افتحي له الباب. وفي هذا الحديث أن الطير هبط به جبرئيل (عليه السلام) وهو أطيب طعام في الجنة.
وفى رواية جابر بن عبد الله الأنصاري - كما جاء في تاريخ دمشق: 2 / 105 / 609 - قال: صنعت امرأة من الأنصار لرسول الله (صلى الله عليه وآله) أربعة أرغفة وذبحت له دجاجة فطبختها، فقدمتها بين يدي النبي (صلى الله عليه وآله) فبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أبي بكر وعمر فأتياه، ثم رفع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يديه إلى السماء ثم قال: اللهم سق إلينا رجلا رابعا محبا لك ولرسولك، تحبه اللهم أنت ورسولك، فيشركنا في طعامنا وبارك لنا فيه. ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اللهم اجعله علي بن أبي طالب، فقال: فوالله ما كان بأوشك أن طلع علي بن أبي طالب، فكبر رسول الله (صلى الله عليه وآله).
قال ابن عساكر: هذا حديث غريب والمشهور حديث أنس، ولسنا بصدد بيان غرابة الحديث وذلك لأن أبي نعيم في حلية الأولياء: 6 / 339 روى الحديث عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس قال: بعثتني أم سليم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بطير مشوي ومعه أرغفة من شعير فأتيته به فوضعته بين يديه فقال: يا أنس ادع لنا من يأكل معنا من هذا الطير، اللهم آتنا خير خلقك، فخرجت فلم تكن لي همة إلا رجل من أهلي آتيه فأدعوه فإذا أنا بعلي بن أبي طالب (عليه السلام) فدخلت فقال: أما وجدت أحدا؟ قلت: لا، قال: انظر فنظرت فلم أجد أحدا إلا عليا (عليه السلام)، ففعلت ذلك ثلاث مرات ثم خرجت فرجعت فقلت: هذا علي بن أبي طالب يا رسول الله، فقال: ائذن له اللهم وإلي وإلي، وجعل يقول ذلك بيده وأشار بيده اليمنى يحركها. قال: رواه الجم الفغير عن أنس.