الفصول المهمة في معرفة الأئمة - ابن الصباغ - ج ١ - الصفحة ٤٧٨
عنكم متى كنتم محقين؟ أحين تقاتلون وخياركم يقتلون؟ أم الآن حين أمسكتم (1) عن القتال؟ فقالوا: دعنا منك يا أشتر قاتلناهم لله وندعهم لله، قال: خدعتم ودعيتم إلى وضع الحرب فأجبتم يا أصحاب الجباه السود، كنا نظن أن صلاتكم زهادة في الدنيا وشوقا إلى لقاء الله تعالى فلا أرى فراركم إلا إلى الدنيا من الموت (2). يا أشباه النيب (3) الجلالة ما أنتم برائين بعدها عزا أبدا، فابعدوا كما بعد القوم الظالمون.
فسبوه وسبهم وضربوا وجه دابته، فصاح بهم علي بن أبي طالب (عليه السلام) [فكفوا] (4).

(١) في (ج): إمساككم.
(٢) ليست " من الموت " في (أ).
(٣) في (أ): البقر.
(٤) انظر هذه المساجلات والمحاورات الكلامية بين مالك الأشتر (رحمه الله) وبين رسول علي (عليه السلام) من جهة، وبين مالك الأشتر وبين القوم من جهة أخرى، وخاصة القراء الذين أصبحوا بعد ذلك خوارج في المصادر السابقة كالطبري: ٤ / ٣٥ وما بعدها باختلاف يسير في اللفظ، وكذلك ابن أعثم في الفتوح: ٢ / ١٨٣، وصفين: ٤٩٠ وما بعدها، والأخبار الطوال: ١٩٠، والإمامة والسياسة: ١ / ١٤٤.
وقفه مع رفع المصاحف:
أطبق المؤرخون وأهل السير على أن الجيش الإسلامي العلوي قد اقترب من الفتح ولاح لهم النصر و الظفر وتوجه الخطر إلى معاوية وأصحابه، وهذا ما بينه الإمام علي (عليه السلام) في خطبته التي ذكرها صاحب وقعة صفين: ٤٧٦ وفيها: أيها الناس، قد بلغ بكم الأمر وبعدوكم ما قد رأيتم، ولم يبق منهم إلا آخر نفس، وإن الأمور إذا أقبلت اعتبر آخرها بأولها، وقد صبر لكم القوم على غير دين حتى بلغنا، وأنا غاد عليهم بالغداة أحاكمهم إلى الله عزوجل.
ولم يستطع معاوية المقاومة إلا عن طريق الخدعة والمكر، فاستعان بعمرو بن العاص - كما أشرنا سابقا - فأمر معاوية أصحابه في جوف الليل أن يربطوا المصاحف على رؤوس الرماح، وأصبح الصباح وإذا بأهل العراق يشاهدون خمسمائة مصحف على رؤوس الرماح، وأهل الشام ينادون... ويتعطفون أهل العراق ويطلبون منهم ترك الحرب وقالوا: هذا كتاب الله عز وجل بيننا وبينكم. وفي هذا قال النجاشي:
فأصبح أهل الشام قد رفعوا القنا * عليها كتاب الله خير قران ونادوا عليا: يا بن عم محمد * أما تتقي أن يهلك الثقلان انظر كتاب الخيل لأبي عبيدة: ١٦٢ وبعض أبيات هذه القصيدة، ورواها ابن الشجري في حماسته: ٣٣، وانظرها في وقعة صفين: ٥٢٤ - ٥٢٦ وأقبل عدي بن حاتم فقال: يا أمير المؤمنين، إن كان أهل الباطل لا يقومون بأهل الحق فإنه لم يصب عصبة منا إلا وقد أصيب مثلها منهم، وكان مقروح....
وقال الأشتر: يا أمير المؤمنين، إن معاوية لا خلف له من رجاله، ولك بحمد الله الخلف، ولو كان له مثل رجالك لم يكن له مثل صبرك ولا بصرك، فاقرع الحديد بالحديد، واستعن بالله الحميد....
ثم قال عمرو بن الحمق: يا أمير المؤمنين، إنا والله ما أجبناك ولا نصرناك عصبية على الباطل ولا أجبنا إلا لله عز وجل ولا طلبنا إلا الحق.....
لكن الأشعث بن قيس قال: يا أمير المؤمنين، إنا لك اليوم على ما كنا عليه أمس، وليس آخر أمرنا كأوله، وما من القوم أحد أحنى على أهل العراق ولا أوتر لأهل الشام مني، فأجب القوم... فقال علي (عليه السلام): إن هذا أمر ينتظر فيه... وكان الأشعث وهو المسود من كندة فإنه لم يرض بالسكوت بل هو من أعظم الناس قولا في الركون إلى الموادعة، وأما كبش العراق وهو الأشتر فلم يكن يرى إلا الحرب ولكنه بعد كل الذي ذكرناها من أنه يريد فواق ناقة أو عدو الفرس فإنه سكت على مضض، وأما سعيد بن قيس، فتارة هكذا وتارة هكذا.
أما علي (عليه السلام) فقال: إنه لم يزل أمري معكم على ما أحب إلى أن أخذت منكم الحرب، وقد والله أخذت منكم وتركت، وأخذت من عدوكم فلم تترك، وإنها فيهم أنكى وأنهك. ألا إني كنت بالأمس أمير المؤمنين فأصبحت اليوم مأمورا، وكنت ناهيا فأصبحت منهيا، وقد أحببتم البقاء وليس لي أن أحملكم على ما تكرهون....
ثم قعد، وتكلم رؤساء القبائل... من ربيعة كردوس بن هانئ البكري فقال: أيها الناس، إنا والله ما تولينا معاوية منذ تبرأنا منه، ولا تبرأنا من علي منذ توليناه. وإن قتلانا لشهداء، وإن أحياءنا لأبرار، وإن عليا لعلى بينة من ربه، ما أحدث إلا الإنصاف، وكل محق منصف، فمن سلم له نجا، ومن خالفه هلك....
ثم قام شقيق بن ثور البكري فقال: أيها الناس، إنا دعونا أهل الشام إلى كتاب الله فردوه علينا فقاتلناهم عليه - إلى ان قال: - وقد أكلتنا هذه الحرب ولا نرى البقاء إلا في الموادعة....
ثم قام حريث بن جابر البكري فقال: أيها الناس، إن عليا لو كان خلفا من هذا الأمر لكان المفزع إليه، فكيف وهو قائده وسائقه، وإنه والله ما قبل من القوم اليوم إلا ما دعاهم إليه أمس، ولو رده عليهم كنتم له أعنت، ولا يلحد في هذا الأمر إلا راجع على عقبيه أو مستدرج بغرور، فما بيننا وبين من طغى علينا إلا السيف....
ثم قام خالد بن المعمر فقال: يا أمير المؤمنين، إنا والله ما اخترنا هذا المقام أن يكون أحد هو أولى به منا، غير أنا جعلناه ذخرا... فإنا لا نرى البقاء إلا فيما دعاك إليه القوم....
ثم إن الحصين الربعي وهو أصغر القوم سنا قام فقال: أيها الناس، إنما بني هذا الدين على التسليم فلا توفروه بالقياس ولا تهدموه بالشفقة - إلى ان قال: - وإن لنا داعيا قد حمدنا ورده وصدره، وهو المصدق على ما قال: المأمون على ما فعل. فإن قال: لا قلنا: لا، وإن قال: نعم، قلنا: نعم... وبلغ معاوية ذلك فبعث إلى مصقلة بن هبيرة فقال: يا مصقلة، ما لقيت من أحد ما لقيت من ربيعة... فبعث مصقلة إلى الربعيين شعرا.... وقال النجاشي شعرا... وقال خالد بن المعمر شعرا... وقال الصلتان شعرا... وقال حريث شعرا... وقال رفاعة بن شداد كلاما وشعرا....
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: من هو المظلوم في وقعة صفين وما سبقها وما بعدها؟
والجواب يوضحه قول الرسول (صلى الله عليه وآله) كما ورد في عيون أخبار الرضا: ١ / ٢٣٦ الباب ٢٧ ح ٦٣ عن الحسين بن علي (عليه السلام) قال: قال: رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي، أنت المظلوم من بعدي، فويل لمن ظلمك واعتدى عليك، وطوبى لمن تبعك ولم يختر عليك. يا علي، أنت المقاتل بعدي، فويل لمن قاتلك، وطوبى لمن قاتل معك.
لم يحدثنا التاريخ عن مظلوم غصب حقه كالإمام علي (عليه السلام) وهذا ما ورد في تفسير الدر المنثور للسيوطي: ٢ / ٢٩٨. نعم، لقد صبر (عليه السلام) وتحمل كل المظالم والمشاق لأجل بقاء الإسلام والقرآن والحفاظ على وحدة الأمة من التشتت والتمزق. وهاهو يقول: ما زلت مظلوما منذ قبض الله تعالى نبيه إلى يوم الناس. وقال (عليه السلام) أيضا: لقد ظلمت عدد المدر والوبر. ولسنا بصدد بيان كل الأحاديث الواردة بهذا الخصوص بل نحيل القارئ الكريم إلى المصادر التالية:
سفينة البحار: ٢ / ١٠٨ مادة " ظلم "، الشافي في الإمامة للسيد المرتضى: ٣ / ٢٢٣، و: ٤ / ١١٤، التاريخ الكبير: ١ / ق ٢ / ١٧٤ ط حيدر آباد، الخرايج والجرائح للراوندي: ١ / ١٨٠ نشر مؤسسة الإمام المهدي (عليه السلام)، المستدرك: ٣ / ١٤٢، البحار: ٢ / ٢١ و ٦٠، و: ٢٨ / ٤٥ و ٧٦، و: ٤٠ / ١٩٩، و: ١٠٠ / ٢٦٥، شرح النهج لابن أبي الحديد: ١٣ / ٣٠٠، وشرح النهج للفيض: ٨٣ خطبة ٢٦، وشرح النهج للعلامة الخوئي: ١ / ٤٥٨ و ٥٦٩، و: ٣ / ٣٧٣، العقد الفريد: ٤ / ٢٥٩، كتاب سليم بن قيس: ٢٥ و ٩٦ و ٩٧، الإمامة والسياسة: ١ / ١٣، تفسير العياشي: ٢ / ٣٠٧، مرآة العقول: ٥ / ٣٢١، الكامل في التاريخ: ٢ / ٢١٩، تاريخ الطبري: ٣ / ٢٩٤.
أما بخصوص معركة صفين فانظر شرح النهج لابن أبي الحديد: ٢ / ٢٠٦ و ٢٠٩ و ٢١٠ وما بعدها ولذا قال الشارح المعتزلي: عن أبي جعفر: ثم قام الطفيل بن أدهم حيال علي (عليه السلام) وقام أبو شريح الجذامي حيال الميمنة وقام ورقاء بن المعمر حيال الميسرة، ثم نادوا: يا معشر العرب: الله الله في النساء والبنات والأبناء من الروم والأتراك وأهل فارس غدا إذا فنيتم.... فاختلف أصحاب علي (عليه السلام) في الرأي فطائفة تقول القتال وأخرى تقول المحاكمة إلى الكتاب.... لكن الأشتر كان يقول: اصبروا فقد حمي الوطيس... وقد خالف الأشعث في جيش علي (عليه السلام) حين الظفر والفتح... واستغل معاوية الفرصة وقال:
اربطوا المصاحف على أطراف القنا... والإمام علي (عليه السلام) يطلع جيشه على حيلة معاوية وعمرو لكن أصحاب الجباه السود يتقدمهم مسعر بن فدكي... ومعهم زهاء عشرين ألفا مقنعين بالحديد... وقالوا:
ابعث إلى الأشتر ليأتينك... وقد أشرف الأشتر على عسكر معاوية ليدخله... فأرسل إليه الإمام علي (عليه السلام) أن يرجع.
ثم انظر إلى خطبته (عليه السلام) التي يبين فيها مظلوميته وتثاقل أصحابه كما وردت في شرح النهج للفيض:
٨٥ الخطبة ٢٧، و: ١٠٧ الخطبة ٣٥، و: ٢٧٥ الخطبة ٩٦، وانظر وقعة صفين: ٤٨٠ - ٤٩٤، تاريخ الطبري: ٦ / ٢٧، وشرح النهج لابن أبي الحديد: ١ / ١٨٦ - ١٨٨، الإصابة: ٨٨٤٩ فيها تراجم بعض المعترضين، والمعارف: ٤١ - ٤٢، وخزانة الأدب: ٣ / ٤٦٢ وفيها بعض الأشعار، وكذلك الأصمعيات:
٤٣ - ٤٥، والفتوح لابن أعثم: ٢ / ١٨٦ - ١٨٨ وما بعدها، الكامل لابن الأثير: ٣ / ٣١٦، وتاريخ الطبري: ٤ / ٣٥ وما بعدها ط أخرى، الأخبار الطوال: ١٨٩.
(٤٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 473 474 475 476 477 478 481 482 483 484 485 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة الناشر 7
2 مقدمة التحقيق 9
3 ترجمة المؤلف 15
4 ممن اشتهر بابن الصباغ 16
5 مكانته العلمية 17
6 شيوخه 20
7 تلاميذه الآخذون منه والراوون عنه 21
8 آثاره العلمية 21
9 شهرة الكتاب 24
10 مصادر الكتاب 25
11 رواة الأحاديث من الصحابة 38
12 مشاهير المحدثين 46
13 مخطوطات الكتاب 54
14 طبعاته 57
15 منهج العمل في الكتاب 58
16 شكر و تقدير 60
17 مقدمة المؤلف 71
18 ] من هم أهل البيت؟ [ 113
19 في المباهلة 113
20 تنبيه على ذكر شيء مما جاء في فضلهم وفضل محبتهم (عليهم السلام) 141
21 الفصل الأول: في ذكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه 163
22 فصل: في ذكر ام علي كرم الله وجهه 177
23 فصل: في تربية النبي (صلى الله عليه وسلم) له (عليه السلام) 181
24 فصل: في ذكر شيء من علومه (عليه السلام) 195
25 فصل: في محبة الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) له (عليه السلام) 207
26 فصل: في مؤاخاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) له (عليه السلام) 219
27 فصل: في ذكر شيء من شجاعته (عليه السلام) 281
28 فائدة 533
29 فصل: في ذكر شيء من كلماته الرائعة 537
30 فصل: أيضا في ذكر شيء من كلماته 549
31 فصل: في ذكر شيء يسير من بديع نظمه ومحاسن كلامه (عليه السلام) 561
32 فصل: في ذكر مناقبه الحسنة (عليه السلام) 567
33 فصل: في صفته الجميلة وأوصافه الجليلة (عليه السلام) 597
34 فصل: في ذكر كنيته ولقبه وغير ذلك مما يتصل به (عليه السلام) 605
35 فصل: في مقتله ومدة عمره وخلافته (عليه السلام) 609
36 فصل: في ذكر أولاده عليه وعليهم السلام 641
37 فصل: في ذكر البتول 649