الفصول المهمة في معرفة الأئمة - ابن الصباغ - ج ١ - الصفحة ٤٧٣
الليلة تلاطم السيول والأمواج ويتصادمون تصادم الفحول عند الهياج. ولما أسفر صبح هذه الليلة عن ضياء وحسر الليل عن ظلماته كانت عدة القتلى من الفريقين ستة وثلاثون ألفا (1)، وكانت هذه الليلة ليلة الجمعة.
وأصبح أمير المؤمنين (عليه السلام) والمعركة كلها خلف ظهره وهو في قلب معسكره والأشتر (2) (رض) في الميمنة وابن عباس (رض) في الميسرة (3) والناس يقتتلون (4) من كل جانب ولوائح النصر لائحة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) والأشتر يزحف في الميمنة يقاتل بها ويقول لأصحابه: ازحفوا قبل هذا الرمح، ويزحف بهم زحفة ثانية ويقول: قيد هذا القوس، وكلما فعلوا (5)، يزحف نحو أهل الشام ويقول مثل ذلك (6).

(١) أكثر المصادر التاريخية ذكرت أن عدد قتلى ليلة الهرير ويومها ٣٦ ألف قتيل كما في المعارف: ١٣٥، والفتوح لابن أعثم: ٢ / ١٧٨، والطبري: ٤ / ٢٧، ومروج الذهب: ٢ / ٣٩١، وأعيان الشيعة: ١ / ٤٩٨، وكشف اليقين: ١٥٨ لكن بعض المصادر ذكرت أن عدد القتلى في تلك الليلة ويومها ٧٠ ألف قتيل كما جاء في كتاب سليم بن قيس: ١٧٦، وشرح النهج لابن أبي الحديد: ٢ / ٢٠٨، ووقعة صفين: ٤٧٥، ولكن الأصح هو الأول.
(٢) تقدمت ترجمته بالإضافة إلى أن في وقعة صفين: ٤٧٥ ذكر أن الأشتر في ميمنة الناس، وابن عباس في الميسرة، وعلي في القلب، والناس يقتتلون.
(٣) تقدمت ترجمته وانظر المصدر السابق.
(٤) في (أ): يقبلون.
(٥) في (أ): اقتتلوا.
(٦) انظر وقعة صفين: ٤٧٥ لكن باختلاف يسير وفيه: قال: ازحفوا قيد رمحي هذا. وإذا فعلوا قال: ازحفوا قاب هذا القوس، فإذا فعلوا سألهم مثل ذلك. وفي الفتوح لابن أعثم: ٢ / ١٧٣ أضاف قائلا: فتحيرت أهل الشام من فعالهم - الأشتر ومذحج - والأشتر يومئذ على فرس له أدهم ذنوب في يده صفيحة له يمانية، إذا طأطأها خلت فيها لهيبا، وإذا رفعها يغشى البصر من شعاعها، فهو يضرب بها قدما قدما، فلا يصمد لكتيبة إلا كشفها، وهو يقول:
أهلي فداكم قاتلوا عن دينكم * فالجبن عن أعدائكم يشينكم قال: ثم حمل فطاعن حتى كسر رمحه على قربوس سرجه، ووقف وهو يقول:
الغمرات ثم تنجلينا * نحن بنو الحرب بها غذينا قال: فقال رجل من أصحاب علي (عليه السلام): لله در هذا الرجل لو كانت له نية، ولكن أظن أنه إنما يقاتل هذا القتال رياء وسمعة، ولا أظنه يريد بفعاله هذا ما عند الله. قال: فبلغ كلامه الأشتر فغضب من ذلك وقال شعرا:
أيها الجاهل المسئ بي الظن * ليس مثلي يجوز فيه الظنون إلى آخرها; قال: فندم اللخمي على ما قال في الأشتر وقال شعرا:
أصابت ظنوني في رجال كثيرة * وأخطأت في ظني بأشتر مالك إلى آخرها. انظر الفتوح: ٢ / ١٧٤.
إلى أن قال: وبكى الأشتر فقال علي (عليه السلام): ما يبكيك؟ لا أبكى الله عيناك، فقال: أبكي يا أمير المؤمنين لأني أرى الناس يقتلون بين يديك وأنا لا أرزق الشهادة فأفوز بها، فقال علي (عليه السلام): أبشر بالخير يا مالك، ثم تمثل علي (عليه السلام) أي يوميك من الموت تفر * يوم لا يقدر أو يوم قدر وانظر هذه المساجلة في وقعة صفين: ٤٧٩ - 480 مع اختلاف يسير في اللفظ، وانظر ابن أبي الحديد في شرح النهج: 1 / 185 حيث علق على هذه المساجلة بقوله: قلت: لله أم قامت عن الأشتر. لو أن إنسانا يقسم أن الله تعالى ما خلق في العرب ولا في العجم أشجع منه إلا أستاذه (عليه السلام) لما خشيت عليه الإثم. ولله در القائل وقد سئل عن الأشتر: ما أقول في رجل هزمت حياته أهل الشام، وهزم موته أهل العراق. وبحق ما قال فيه أمير المؤمنين (عليه السلام): كان الأشتر كما كنت لرسول الله (صلى الله عليه وآله).
(٤٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 468 469 470 471 472 473 474 475 476 477 478 ... » »»
الفهرست