الفصول المهمة في معرفة الأئمة - ابن الصباغ - ج ١ - الصفحة ٢٦٣
? قال الإسكافي:
وآخر الحديث أيضا يدل على أن ذلك لم يكن لما ذكروه من العلة وهو قوله: " اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " وهذا كله يدل على ما قلناه من تقدمه على الناس في الدين، وتفضيله العالمين، وأن النبي (صلى الله عليه وآله) إنما اختاره لعلمه بانه لا يكون منه تغيير ولا تبديل، وأن حاله واحدة، متصلة عداوته بعداوة الله، وولايته بولايته، كما اتصل ذلك من النبي (صلى الله عليه وآله). (المعيار والموازنة: ٢١٢).
? وقال العلامة المجلسي:
وأما ما زعم بعضهم من أن قوله (صلى الله عليه وآله): " اللهم وال من والاه " قرينة على أن المراد بالمولى الموالي والناصر فلا يخفى وهنه، إذ لم يكن استدلالنا بمحض تقدم ذكر الأولى حتى يعارضونا بذلك، بل إنما استدللنا بسياق الكلام وتمهيد المقدمة والتفريع عليها وما يحكم به عرف أرباب اللسان في ذلك. وأما الدعاء بموالاة من والاه فليس بتلك المثابة، وإنما يتم هذا لو ادعى أحد أن اللفظ بعدما أطلق على أحد معانيه لا يناسب أن يطلق ما يناسبه ويدانيه في الاشتقاق على معنى آخر، وكيف يدعي ذلك عاقل مع أن ذلك مما يعد من المحسنات البديعية؟ بل نقول تعقيبه بهذا، يؤيد ما ذكرناه ويقوي ما أسسناه بوجوه:
الأول: أنه لما أثبت (صلى الله عليه وآله) له الرئاسة العامة والإمامة الكبرى وهي مما يحتاج إلى الجنود والأعوان وإثبات مثل ذلك لواحد من بين جماعة مما يفضي إلى هيجان الحسد المورث لترك النصرة والخذلان لا سيما أنه (صلى الله عليه وآله) كان عالما بما في صدور المنافقين الحاضرين من عداوته وما انطوى عليه جنوبهم من السعي في غصب خلافته (عليه السلام) أكد ذلك بالدعاء لأعوانه واللعن على من قصر في شأنه، ولو كان الغرض محض كونه (صلى الله عليه وآله) ناصرا لهم أو ثبوت الموالاة بينه وبينهم كسائر المؤمنين لم يكن يحتاج إلى مثل تلك المبالغات والدعاء له بما يدعى للأمراء وأصحاب الولايات.
والثاني: أنه يدل على عصمته اللازمة لإمامته (عليه السلام) لأنه لو كان يصدر منه المعصية لكان يجب من يعلم ذلك منه منعه وزجره وترك موالاته وإبداء معاداته لذلك، ودعاء الرسول (صلى الله عليه وآله) لكل من يواليه وينصره ولعنه على كل من يعاديه ويخذله يستلزم عدم كونه أبدا على حال يستحق عليها ترك الموالاة والنصرة.
والثالث: أنه إذا كان المراد بالمولى الأولى - كما نقوله - كان المقصود منه طلب موالاته ومتابعته ونصرته من القوم، وإن كان المراد الناصر والمحب كان المقصود بيان كونه (عليه السلام) ناصرا ومحبا لهم، فالدعاء لمن يواليه وينصره واللعن على من يتركهما في الأول أهم وبه أنسب من الثاني، إلا أن يؤول الثاني بما يرجع إلى الأول في المآل كما أومأنا إليه سابقا. (بحار الأنوار: ٣٧ / ٢٤٧ - ٢٤٨).
قال أبو حامد الغزالي في كتاب سر العالمين على ما ذكره المجلسي في البحار بعد البحث في تحقيق أمر الخلافة وذكر الاختلاف:
لكن أسفرت الحجة وجهها وأجمع الجماهير على متن الحديث من خطبته (صلى الله عليه وآله) في يوم غدير خم باتفاق الجميع وهو يقول: " من كنت مولاه فعلي مولاه " فقال عمر: " بخ بخ لك يا أبا الحسن، لقد أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة " فهذا تسليم ورضا وتحكيم، ثم بعد هذا غلب الهوى بحب الرئاسة، وحمل عمود الخلافة، وعقود البنود، وخفقان الهواء في قعقعة الرايات واشتباك ازدحام الخيول وفتح الأمصار سقاهم كأس الهوى، فعادوا إلى الخلاف الأول، فنبذوا الحق وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون. (بحار الأنوار: ٣٧ / ٢٥١ - ٢٥٢).
وقال السيد شرف الدين في المراجعات بعد ذكر تهنئة أبي بكر وعمر لعلي (عليه السلام):
فصرحا بأنه مولى كل مؤمن ومؤمنة على سبيل الاستغراق لجميع المؤمنين والمؤمنات منذ أمسى مساء الغدير، وقيل لعمر: إنك تصنع لعلي شيئا لا تصنعه بأحد من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال: إنه مولاي.
فصرح بأنه مولاه، ولم يكونوا حينئذ قد اختاروه للخلافة، ولا بايعوه بها، فدل ذلك على أنه مولاه، ومولى كل مؤمن ومؤمنة بالحال لا بالمآل، منذ صدع رسول الله (صلى الله عليه وآله) بذلك عن الله تعالى يوم الغدير.
واختصم أعرابيان إلى عمر، فالتمس من علي القضاء بينهما، فقال أحدهما: هذا يقضي بيننا؟! فوثب إليه عمر وأخذ بتلابيبه وقال: ويحك ما تدري من هذا؟ هذا مولاك ومولى كل مؤمن، ومن لم يكن مولاه فليس بمؤمن. والأخبار في هذا المعنى كثيرة. (المراجعات: ٢٨٢ المراجعة ٦٠).
? وقال العلامة الحلي:
الإمام ركن من أركان الدين، لأن قوله مبدأ من المبادئ، وهو الحافظ للشرع والعامل به والذي يلزم العمل به، فإذا كان معصوما كان الدين كاملا، وان لم يكن معصوما لم يكن الدين كاملا، لكن قال الله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي) فدل على ثبوت إمام معصوم بالضرورة. (الألفين في إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام): ٣٥٥).
? وقال ابن البطريق في الخصائص:
إذا كان دين الأمة لم يكمل إلا بولايته ونعمة الله تعالى لا تتم على خلقه إلا بها ولا يرضى الله تعالى الإسلام دينا لخلقه إلا بها، فقد تضيق وجوبها على كافة أهل الإسلام تضييقا عليه إجماع الاسلام، وقامت مقام كل طاعة لله تعالى، إذ لو كان المسلم عليها ولم يأت بولايته (عليه السلام) لم يرض الله تعالى إسلامه دينا ولم يكمل دينه عند الله تعالى، ومع عدم كمال دين الإنسان وعدم رضا إسلامه عند الله تعالى لم يتم الله تعالى نعمته عليه، ومن يعن بهذه الأمور فقد خسرت صفقته وظهرت خيبته. (الخصائص: ٦٥).
? وقال العلامة البياضي في الصراط المستقيم:
الأمة بعد النبي إما أن تحتاج إلى الإمام فيجب في حكمة الله نصبه وقد فعل كما وجب فيها نصب النبي، أو لا تحتاج فالاختيار عبث وتصرف بغير أمر مالك الأمر. وأيضا فالإمامة إن لم تكن من الدين فليس لأحد أن يدخل في الدين ما ليس منه، وإن كانت منه، فإن كان الله سكت عنها كان مخلا بالواجب، وهو قبيح ونقص، وإن فعلها بطل الاختيار، وقد فعلها يوم نصب النبي عليا علما فأنزل سبحانه: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي) فإن بقي بعد ذلك شيء من الدين كان الله تعالى كاذبا، تعالى الله عن ذلك، وإن لم يبق لزم المطلوب. (الصراط المستقيم: ١ / ٧٨).
? قال ابن البطريق في بيان الوجوه المستخرجة من الحديث:
فقد أثبت النبي (صلى الله عليه وآله)لعلي (عليه السلام)، جميع منازل هارون من موسى، إلا ما أخرجه الاستثناء من النبوة، وأخرجه العرف من الاخوة، وقد ثبت أن منازل هارون من موسى كانت أشياء:
منها: أنه كان أخاه لأمه وأبيه، وشريكه في نبوته، وأحب القوم إليه، وممن شد الله تعالى به أزره، وكان مفترض الطاعة على أمته وخليفته على قومه.
فأما كونه أخاه فشاهده بالنسب من الكتاب العزيز، قوله تعالى: (وقال موسى لأخيه هرون اخلفنى) [الأعراف: ١٤٢] وقول هارون: (قال ابن أم إن القوم استضعفونى) [الأعراف: ١٥٠].
وأما شاهده بالشركة في النبوة فقوله تعالى حاكيا عن موسى (عليه السلام): (وأشركه في أمرى) [طه: ٣٢].
وأما كونه أحب القوم إليه فمما لا يحتاج إلى الاستشهاد، لأن الأخ من أب وأم إذا كان شريكه في أمره ونبوته وخليفته في قومه وممن شد الله عضده به فمعلوم ضرورة، أنه يكون أحب القوم إليه.
(العمدة: ١٣٧ - 138).