وذلك أن القرآن المجيد - الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه - نطق بأن موسى (عليه السلام) سأل ربه عزوجل فقال: ﴿واجعل لي وزيرا من أهلى * هرون أخى * اشدد بهى أزرى * وأشركه في أمرى﴾ (١)، وأن الله عزوجل أجابه إلى مسؤوله وأجناه من شجرة دعائه ثمرة سؤله، فقال عز من قائل: ﴿قد أوتيت سؤلك يموسى﴾ (٢) وقال عزوجل: ﴿ولقد ءاتينا موسى الكتب وجعلنا معه أخاه هرون وزيرا﴾ (٣)، وقال تعالى:
﴿سنشد عضدك بأخيك﴾ (٤)، فظهر أن منزلة هارون من موسى منزلة الوزير، والوزير مشتق من إحدى معان ثلاثة:
أحدها: من الوزر - بكسر الواو وتسكين الزاي - وهو الثقل، فكونه وزيرا له يحمل عنه أثقاله ويخففها.
ثانيها: من الوزر - بفتح الواو والزاي - وهو المرجع والملجأ، ومنه قوله تعالى:
﴿كلا لا وزر﴾ (5). فكان (6) الوزير المرجوع إلى رأيه ومعرفته، والملجأ (7) إلى الاستعانة به.
والمعنى الثالث: من الأزر وهو الظهر، قال تعالى: (اشدد بهى أزرى) فيحصل بالوزير قوة الأمر واشتداد الظهر، كما يقوى البدن ويشتد به، وكانت منزلة هارون من موسى أنه يشد أزره ويعاضده ويحمل عنه أثقاله، أي: أثقال بني إسرائيل بقدر استطاعته (8).