الفصول المهمة في معرفة الأئمة - ابن الصباغ - ج ١ - الصفحة ٢٤٥

فيض القدير في الشرح: ٣٥٧.
ولو كان كما يدعيه ابن كثير لما جمع الناس في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة بعد انقضاء الحج ورجوعه إلى المدينة وقام خطيبا على عموم الناس، ومجرد التحامل لا يستدعي هذا الوقوف أيضا، بل يستدعي بيان الفضل والرد على المتحاملين كما قال (صلى الله عليه وآله): هذا ابن عمي وصهري وأبو ولدي وسيد أهل بيتي فلا تؤذوني فيه. ولو كان كما يدعيه ابن كثير فلماذا نزلت (يا أيها الرسول بلغ مآ أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) ولو سلمنا جدلا فان الواقعة الأولى لا دخل لها في الواقعة الثانية وإنما جاء الخلط نتيجة التعصب الأعمى ونسيان كلامه (صلى الله عليه وآله) انه جاء بعد الأمر بالتمسك بالكتاب والعترة وبيان أنهما لم يفترقا حتى يردا عليه الحوض.
ولسنا بصدد بيان وبحث حديث الثقلين، بل نقول لماذا منع الألوف عن المسير؟ وارجاع من تقدم منهم وإلحاق من تأخر؟ ولم أنزلهم في العراء لا كلأ ولا ماء؟ ولماذا قال (صلى الله عليه وآله): ليبلغ الشاهد منهم الغائب؟
ولماذا ينعى نفسه لهم؟ ولماذا يسألهم عن الشهادتين؟ ولماذا يحذرهم من النار والموت والساعة والبعث من في القبور؟ وهل من المعقول أن يجمعهم على أمر هو من أوضح الواضحات بحكم الوجدان والعيان وهو (صلى الله عليه وآله) المنزه في أفعاله وأقواله بحكم الحكمة والعقل والعصمة؟ هذه أسئلة نطرحها على ابن كثير ومن سار على نهجه.
ثم إن لفظة " مني " في حديث المنزلة " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس نبي بعدي " كما ذكر ذلك البخاري في صحيحه: ٢ / ٢٠٠، وصحيح مسلم: ٧ / ١٢٠، والترمذي: ١٣ / ١٧١، والطيالسي:
١ / ٢٨ / ٢٠٥ و ٢٠٩ و ٢١٣، وابن ماجة: ح ١١٥، وأحمد في مسنده: ١ / ١٧٠ و ١٧٣ و ١٧٥ و ١٧٧ و ١٧٩ و ١٨٢ و ١٨٤ و ١٨٥ و ٣٣٠، و: ٣ / ٣٢ و ٣٣٨، و: ٦ / ٣٦٩ و ٤٣٨، ومستدرك الحاكم: ٢ / ٣٣٧، وطبقات ابن سعد: ٣ / ١ و ١٤ و ١٥، ومجمع الزوائد: ٩ / ١٠٩ وفي لفظ آخر لمسلم " إلا أنه لا نبي بعدي " فلفظة " مني " توضح المراد من المعنى، وذلك أن هارون لما كان شريكا لموسى في النبوة، ووزيره في التبليغ، وكان علي (عليه السلام) من خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله) كذلك باستثناء النبوة، فتبقى لعلي (عليه السلام) الوزارة في التبليغ، وكذلك لأولاده (عليهم السلام) في حمل أعباء التبليغ إلى المكلفين مباشرة، ولذا فهم (عليهم السلام) منه (صلى الله عليه وآله) وهو منهم، يشتركون في التبليغ ويختلفون في أنه (صلى الله عليه وآله) يأخذ الأحكام التي يبلغها من الله عن طريق الوحي، وهم يأخذونها عن طريق رسول الله (صلى الله عليه وآله) فهم مبلغون عن رسول الله إلى الأمة. وقد أعدهم الله ورسوله لحمل أعباء التبليغ، وذلك بما عصمهم من الرجس وطهرهم تطهيرا كما ورد في الآية الكريمة.
ولهذا فإن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) كان مدركا أن قومه حديثو عهد بالجاهلية، وأنهم طالما عارضوا أحكامه وقراراته عدة مرات كما حدث في صلح الحديبية وأحد وحنين وأثناء مرضه (صلى الله عليه وآله) في الكتاب والدواة وسرية أسامة وصلاة الجمعة أثناء إقبال العير المحملة بالبضاعة. ولذا نجد أن عملية التبليغ التي نفذها النبي (صلى الله عليه وآله) قد جرت أمام عشرات الآلاف من المسلمين، وأن استثناء النبوة جاء لئلا يتوهم متوهم أن الله تعالى قد جعل لعلي الشركة في النبوة. واننا نعلم أن الإمامة موقوفة على تنصيص الله سبحانه وتعالى كما أن النبوة موقوفة على تنصيص الباري عزوجل.
كما أن الأمر بالتبليغ جاء فيه تهديد (وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) وإعلامه (صلى الله عليه وآله) وإعلام غيره ما لهذا الحكم من الأهمية بحيث إذا لم يصل الحكم، وحاشا للنبي (صلى الله عليه وآله) أن لا يبلغ ما أمره الله سبحانه وتعالى، أما قوله تعالى (والله يعصمك من الناس) لفظ الناس اعتبارا بسواد الأفراد الذي فيه المؤمن والمنافق والذي في قلبه مرض، فالعصمة هنا بمعنى الحفظ والوقاية من شر هؤلاء.
وبالتالي فالمعنى يكون: من كنت متقلدا لأمره وقائما به فعلي متقلد أمره والقائم به، وهذا صريح في زعامة الأمة وإمامتها وولايتها، وثبت لعلي ما ثبت لرسول (صلى الله عليه وآله) من الولاية العامة والزعامة والتصدي لشأن من شؤون الغير، وهي في قبال العداوة وهي التجاوز والتعدي على الغير والتصرف في شؤون الغير مطلقا، ويدل عليه قوله تعالى (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أوليآء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) التوبة: ٧١، وقوله تعالى (الله ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أوليآؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات) البقرة: ٢٥٧.
وتبقى شنشنة ابن تيمية وأصحابه بأنه دعاء، ودعاء النبي (صلى الله عليه وآله) مستجاب، وهذا الدعاء ليس بمستجاب، فالنتيجة أنه ليس دعاء من قبل النبي (صلى الله عليه وآله).
والجواب أيضا من أوضح الواضحات; لأن الأمة مجمعة على أن أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد قتل عثمان لم تحصل له الإمامة بنص من رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتناول تلك الفترة الزمنية والاختصاص بها دون ما تقدمها من الزمن، بل إن الولاية كانت له قبل ذلك، فولايته عامة كما كانت ولاية النبي (صلى الله عليه وآله) عامة ويدل على ذلك كلمة " من " الموصولة، ولذا نجد ابن خلدون يقفز ولم يشر إليها على الرغم من أنه ذكر كل ما حدث في حجة الوداع، ولكن قفزه هذا دليل على نظريته حول الإمامة والتاريخ، فإذا أورد الحديث فإن ذلك يناقض نظريته حول الإمامة التي يرى فيها أمرا دنيويا يقوم على مصالح الناس ولا مدخلية للنص فيها.
وادعى بأن الحديث لم ينقله البخاري ومسلم والواقدي ولكن ابن تيمية وأمثاله يعرفون حق المعرفة أن عدم النقل لا يدل على القدح في الحديث.
(٢٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 245 245 245 245 245 245 262 263 263 263 263 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة الناشر 7
2 مقدمة التحقيق 9
3 ترجمة المؤلف 15
4 ممن اشتهر بابن الصباغ 16
5 مكانته العلمية 17
6 شيوخه 20
7 تلاميذه الآخذون منه والراوون عنه 21
8 آثاره العلمية 21
9 شهرة الكتاب 24
10 مصادر الكتاب 25
11 رواة الأحاديث من الصحابة 38
12 مشاهير المحدثين 46
13 مخطوطات الكتاب 54
14 طبعاته 57
15 منهج العمل في الكتاب 58
16 شكر و تقدير 60
17 مقدمة المؤلف 71
18 ] من هم أهل البيت؟ [ 113
19 في المباهلة 113
20 تنبيه على ذكر شيء مما جاء في فضلهم وفضل محبتهم (عليهم السلام) 141
21 الفصل الأول: في ذكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه 163
22 فصل: في ذكر ام علي كرم الله وجهه 177
23 فصل: في تربية النبي (صلى الله عليه وسلم) له (عليه السلام) 181
24 فصل: في ذكر شيء من علومه (عليه السلام) 195
25 فصل: في محبة الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) له (عليه السلام) 207
26 فصل: في مؤاخاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) له (عليه السلام) 219
27 فصل: في ذكر شيء من شجاعته (عليه السلام) 281
28 فائدة 533
29 فصل: في ذكر شيء من كلماته الرائعة 537
30 فصل: أيضا في ذكر شيء من كلماته 549
31 فصل: في ذكر شيء يسير من بديع نظمه ومحاسن كلامه (عليه السلام) 561
32 فصل: في ذكر مناقبه الحسنة (عليه السلام) 567
33 فصل: في صفته الجميلة وأوصافه الجليلة (عليه السلام) 597
34 فصل: في ذكر كنيته ولقبه وغير ذلك مما يتصل به (عليه السلام) 605
35 فصل: في مقتله ومدة عمره وخلافته (عليه السلام) 609
36 فصل: في ذكر أولاده عليه وعليهم السلام 641
37 فصل: في ذكر البتول 649