الفصول المهمة في معرفة الأئمة - ابن الصباغ - ج ١ - الصفحة ٢٧٥
هو خطأ ظاهر لأن مجرد وقوع الاستخلاف الخاص من موسى لا يدل على اختصاص خلافة هارون في ذلك المورد دون غيره، فكذا استخلاف النبي (صلى الله عليه وآله)لعلي (عليه السلام) بل العبرة بعموم الحديث مع اقتضاء شركة هارون لموسى في أمره ثبوت الخلافة العامة له فكذا علي (عليه السلام). ويدل على عدم إرادة ذلك الاستخلاف الخاص بخصوصه ورود الحديث في موارد لا دخل لها به. (دلائل الصدق: ٢ / ٣٩١ و ٣٩٢).
أقول: يعد منها حديث المؤاخاة وحديث سد الأبواب وتسمية الحسنين بشبر وشبير وغزوة خيبر ويوم الدار، وموارد أخرى ذكر بعضها المصنف في الكتاب وغيره في غيره.
وقال الشريف المرتضى جوابا آخر لهذه الشبهة في الشافي كما نقل عنه في بحار الأنوار:
٣٧ / ٢٨٥ و ٢٨٧ فراجع إن شئت.
الثالثة: قال الفخر الرازي في تفسيره لقوله تعالى: (ولقد قال لهم هرون من قبل... فاتبعونى وأطيعوا أمرى) (طه: ٩٠) ما ملخصه: ان هارون ما منعته التقية في مثل هذا الجمع العظيم بل صرح بالحق. وان الرافضة يشبهون عليا (عليه السلام) بهارون مع أن عليا لم يفعل مثل ما فعله هارون.
وأورد الشيخ الحر العاملي في الفوائد الطوسية: في جوابه اثني عشر وجها، نذكر ملخص بعضها:
ألف: ان هارون صرح بمدعاه لانه كان له ناصر وهو موسى، فكان واثقا بأنه يبين لهم الحق والأمة مقرون بنبوته، وعلي (عليه السلام) لم يكن له ناصر بعد موت النبي، والحسنان (عليهما السلام) كانا متهمين عندهم في ذلك فظهر الفرق.
ب: ان هارون ترك الحرب والجهاد مع عباد العجل، وقال: (إني خشيت أن تقول فرقت بين بنى إسرئيل) (طه: ٩٤).
وقال: (إن القوم استضعفونى وكادوا يقتلوننى) (الأعراف: ١٥٠). فظهر أنه منعه الخوف مع المبالغة في ذلك، وعلي (عليه السلام) قد قال لهم نحو ما قاله هارون فلم يقبل منه، فتركهم كما تركهم هارون، مع انه تقاعد عن بيعتهم مدة طويلة.
ج: انه على قول الرازي: العصمة منفية عن النبي والامام، فترك علي لهذه الكلمة - لو سلم - لا يقدح في إمامته لكونها من الصغائر، وهذا الزامي للرازي بحسب ما يعتقده. (الفوائد الطوسية: ١٤ / ١٨).
الرابعة: قال العلامة المجلسي:
إنا لو سلمنا للخصم جميع ما يناقشنا فيه مع أنا قد أقمنا الدلائل على خلافها فلا يناقشنا في أنه يدل على أنه (عليه السلام) كان أخص الناس بالرسول وأحبهم إليه، ولا يكون أحبهم إليه إلا لكونه أفضلهم، فتقديم غيره عليه مما لا يقبله العقل ويعده قبيحا، وأي عقل يجوز كون صاحب المنزلة الهارونية مع ما انضم إليها من سائر المناقب العظيمة والفضائل الجليلة رعية وتابعا لمن ليس له إلا المثالب الفظيعة والمقابح الشنيعة؟! والحمد لله الذي أوضح الحق لطالبيه ولم يدع لأحد شبهة فيه. (بحار الأنوار: ٣٧ / ٢٨٩).
المؤاخاة الأولى والثانية:
سبق وأن بينا معنى الأخوة وأقسامها ومعانيها، ونشيرهنا إلى المؤاخاة الأولى والثانية كما ذكرها صاحب الروض الأنف: ٢ / ٢٥٢، والطبري في تاريخه.
أما المؤاخاة الأولى: فكانت في مكة بين أصحابه من قريش ومواليهم [العبيد المعتقين] فآخى بين عمه حمزة بن عبد المطلب ومولاه زيد بن حارثة، وبين عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب وبلال مولى أبي بكر، وبين أبي عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة. وقد آخى بينهم على الحق والمواساة، والهدف منها هو تحطيم الاعتبار الطبقي والقبلي والاقتصادي إلى جانب التعمق الإيماني بينهم.
وأما المؤاخاة الثانية: فقد كانت في المدينة بين المهاجرين [أحرارا وموالي] والأنصار. وهذه المؤاخاة هي التي اقتضت المشاركة في الأموال والمواريث إلى أن رفع هذا الحكم. بقوله تعالى (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتب الله) (الأنفال: ٧٥، الأحزاب: ٦٠) ولسنا بصدد شرح الأخوة لأننا - كما ذكرنا - سبق وأن فصلنا في ذلك.
أما ما يخص اخوة علي (عليه السلام)ورسول الله (صلى الله عليه وآله)، فهي كما أسلفنا سابقا فمن أراد فليراجع بالإضافة إلى قوله (عليه السلام) " لا زال ينقله من الآباء الأخيار " وثانيا: أن فاطمة بنت أسد - أم الإمام علي (عليه السلام) فقد ربته (صلى الله عليه وآله) حتى قال فيها " هي أمي " كما ذكرنا سابقا أيضا. والأب أبوان: أب ولادة، وأب إفادة، ثم إنه يطلق حتى على العم أنه أب ووالد كما في قوله تعالى (إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون منم بعدى قالوا نعبد إلهك وإله ءابآلك إبر هيم وإسمعيل وإسحق إلها وحدا ونحن لهو مسلمون) (البقرة: ١٣٣) وإسماعيل (عليه السلام) كان عمه وكذلك قوله تعالى (وإذ قال إبر هيم لا بيه ءازر) (الأنعام: ٧٤) وقد أجمع المؤرخون على أن اسم أبي إبراهيم " تارخ " وكان آزر عمه (عليه السلام).
ومن هذا وذاك قال (صلى الله عليه وآله) كما ذكر جابر الأنصاري: يا جابر أي الإخوة أفضل؟. قال: قلت: البنون من الأب والأم فقال: إنا معاشر الأنبياء إخوة، وأنا أفضلهم، ولأحب الإخوة إلي علي بن أبي طالب.
(البرهان في تفسير القرآن: ٤ / ١٤٨). ولذا لا يبقى لابن تيميةحجة في إنكاره المؤاخاة في منهاج السنة: ٢ / ١١٩ ولا لابن حزم في الملل والنحل في رد أخوة علي (عليه السلام) مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع أنها من الأحاديث المتواترة كما أسلفنا. (راجع جامع الترمذي: ٢ / ٢١٣، ومصابيح البغوي: ٢ / ١٩٩، والمستدرك: ٣ / ١٤ والاستيعاب: ٢ / 460، وتيسير الوصول: 3 / 271، ومشكاة المصابيح هامش المرقاة: 5 / 569، والرياض النضرة: 2 / 167).