الفصول المهمة في معرفة الأئمة - ابن الصباغ - ج ١ - الصفحة ٢٦٣
حف به من القرائن نص جلي في خلافة علي، لا يقبل التأويل وليس إلى صرفه عن هذا المعنى من سبيل، وهذا واضح (لمن كان لهو قلب أو ألقى السمع وهو شهيد).
ثم قال: وأما ذكر أهل بيته في حديث الغدير فإنه من مؤيدات المعنى الذي قلناه، حيث قرنهم بمحكم الكتاب، وجعلهم قدوة لأولي الألباب، فقال: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي. وإنما فعل ذلك لتعلم الأمة أن لا مرجع بعد نبيها إلا إليهما، ولا معول لها من بعده إلا عليهما، وحسبك في وجوب اتباع الأئمة من العترة الطاهرة اقترانهم بكتاب الله عزوجل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فكما لا يجوز الرجوع إلى كتاب يخالف في حكمه كتاب الله سبحانه وتعالى لا يجوز الرجوع إلى إمام يخالف في حكمه أئمة العترة، وقوله (صلى الله عليه وآله): " إنهما لن ينقضيا - أو لن يفترقا - حتى يردا علي الحوض " دليل على أن الأرض لن تخلو بعده من إمام منهم، هو عدل الكتاب، ومن تدبر الحديث وجده يرمي إلى حصر الخلافة في أئمة العترة الطاهرة، ويؤيد ذلك ما أخرجه الامام احمد في مسنده عن زيد بن ثابت، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) " إني تارك فيكم خليفتين: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ". انتهى.
وهذا نص في خلافة أئمة العترة (عليهم السلام).
وأنت تعلم أن النص على وجوب اتباع العترة نص على وجوب اتباع علي إذ هو سيد العترة لا يدافع، وإمامها لا ينازع، فحديث الغدير وأمثاله يشتمل على النص على علي تارة، من حيث إنه إمام العترة، المنزلة من الله ورسوله منزلة الكتاب، وأخرى من حيث شخصه العظيم، وانه ولي كل من كان رسول الله وليه. (المراجعات: ٢٧٨ - ٢٨٠ المراجعة ٥٨).
? وقال الشريف المرتضى في الشافي كما نقل عنه العلامة المجلسي في البحار في بيان صحة خبر الغدير:
أما الدلالة على صحة الخبر فلا يطالب بها إلا متعنت، لظهوره واشتهاره وحصول العلم لكل من سمع الأخبار به، وما المطالب بتصحيح خبر الغدير والدلالة عليه إلا كالمطالب بتصحيح غزوات النبي (صلى الله عليه وآله) الظاهرة المشهورة وأحواله المعروفة وحجة الوداع نفسها، لأن ظهور الجميع وعموم العلم به بمنزلة واحدة...
وقد استبد هذا الخبر بما لا يشركه فيه سائر الأخبار لأن الأخبار على ضربين: أحدهما لا يعتبر في نقله الأسانيد المتصلة كالخبر عن وقعة بدر وخيبر والجمل وصفين، والضرب الآخر يعتبر فيه اتصال الأسانيد كأخبار الشريعة، وقد اجتمع فيه الطريقان.
ثم قال بعد ايراد خبر المناشدة: إن الخبر لو لم يكن في الوضوح كالشمس لما جاز أن يدعيه أمير المؤمنين (عليه السلام) سيما مثله في مثل هذا المقام. (بحار الأنوار: ٣٧ / ٢٣٦ - ٢٣٧).
وأما في دلالة الخبر فنقول: إن كلمات علماء الفريقين في دلالة الخبر وحصره بمعنى الأولوية والإمامة والخلافة كثيرة جدا، نذكر بعضا منها ملخصا:
فمنهم ابن البطريق في العمدة: ١١٢ - ١١٩ فإنه عد عشرة أوجه لمعنى المولى وأن أولى معناها هي " الأولى " وقال: وهو الأصل والعماد التي ترجع إليه المعاني في باقي الأقسام. ثم اعلم أن أهل اللغة ومصنفي العربية قد نصوا على أن لفظة " مولى " تفيد الأولى.
ثم بعد أن ذكر شواهد تدل على هذا المدعى، وتؤول سائر المعاني إلى هذا المعنى قال: وإذا كان الأمر على ما ذكرناه ثبت أن مراد النبي (صلى الله عليه وآله) بقوله: " من كنت مولاه فعلي مولاه " معنى الأولى، الذي قدم ذكره وقرره، ولم يجز أن يصرف إلى غيره من سائر أقسام لفظة " مولى " وما يحتمله، وذلك يوجب أن عليا (عليه السلام) أولى بالناس من أنفسهم بما ثبت أنه مولاهم كما أثبت النبي (صلى الله عليه وآله) لنفسه أنه مولاهم وأثبت له القديم تعالى أنه أولى بهم من أنفسهم، فثبت أنه أولى بهم من أنفسهم، فثبت أنه أولى بلفظ الكتاب العزيز، وثبت أنه مولى بلفظ نفسه، فلو لم يكن المعنى واحدا، لما تجاوز ما حد له في لفظ الكتاب العزيز إلى لفظ غيره، فثبت لعلي (عليه السلام) ما ثبت له في هذا المعنى من غير عدول إلى معنى سواه. (العمدة: ١١٢ و ١١٦).
? وأورد الشريف المرتضى هذا البيان في الشافي كما نقل عنه البحار أيضا وبلفظ آخر:
أن ما تحتمله لفظة مولى ينقسم إلى أقسام، منها ما لم يكن (صلى الله عليه وآله) عليه، ومنها ما كان عليه، ومعلوم لكل أحد أنه (صلى الله عليه وآله) لم يرده، ومنها ما كان عليه ومعلوم بالدليل أنه لم يرده، ومنها ما كان حاصلا له ويجب أن يريده لبطلان سائر الأقسام واستحالة خلو كلامه من معنى وفائدة.
فالقسم الأول هو المعتق والحليف، لأن الحليف هو الذي ينضم إلى قبيلة أو عشيرة فيحالفها نصرته والدفاع عنه، فيكون منتسبا إليها متعززا بها، ولم يكن النبي (صلى الله عليه وآله) حليفا لأحد على هذا الوجه.
والقسم الثاني ينقسم إلى قسمين، أحدهما معلوم انه لم يرده لبطلانه في نفسه كالمعتق والمالك، والجار، والصهر، والخلف، والإمام، إذا عدا من أقسام المولى، والآخر أنه لم يرده من حيث لم يكن فيه فائدة وكان ظاهرا شائعا وهو ابن العم.
والقسم الثالث الذي يعلم بالدليل أنه لم يرده هو ولاية الدين والنصرة فيه والمحبة أو ولاء العتق، والدليل على أنه (صلى الله عليه وآله) لم يرد ذلك أن كل أحد يعلم من دينه وجوب تولي المؤمنين ونصرتهم، وقد نطق الكتاب به، وليس يحسن أن يجمعهم على الصورة التي حكيت في تلك الحال، ويعلمهم ما هم مضطرون إليه من دينه، وكذلك هم يعلمون أن ولاء العتق لبني العم قبل الشريعة وبعدها، وقول ابن الخطاب في الحال - على ما تظاهرت به الرواية - لأمير المؤمنين (عليه السلام) - " أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن " يبطل أن يكون المراد ولاء العتق، وبمثل ما ذكرناه في إبطال أن يكون المراد بالخبر ولاء العتق أو إيجاب النصرة في الدين استبعد أن يكون أراد به قسم ابن العم، لاشتراك خلو الكلام عن الفائدة بينهما.
فلم يبق إلا القسم الرابع الذي كان حاصلا له ويجب أن يريده، وهو الأولى بتدبير الأمر وأمرهم، ونهيهم. (بحار الأنوار: ٣٧ / ٢٤٠ - ٢٤١).
? أورد الشيخ الأميني في الغدير ستة وعشرين معنى للفظ " مولى " وقال في خاتمة كلامه:
إذا فليس للمولى إلا معنى واحد وهو الأولى بالشيء، وتختلف هذه الأولوية بحسب الاستعمال في كل من موارده، فالاشتراك معنوي وهو أولى من الاشتراك اللفظي المستدعي لأوضاع كثيرة غير معلومة بنص ثابت والمنفية بالأصل المحكم، وقد سبقنا إلى بعض هذه النظرية شمس الدين ابن البطريق في العمدة. (الغدير: ١ / 366 - 370).
? وقال العلامة المجلسي بعد إثبات حصر معنى المولى بالأولى:
فإذا ثبت أن المراد بالمولى هاهنا الأولى الذي تقدم ذكره والأولى في الكلام المتقدم غير مقيد بشيء من الأشياء وحال من الأحوال، فلو لم يكن المراد العموم لزم الإلغاز في الكلام المتقدم، ومن قواعدهم المقررة أن حذف المتعلق من غير قرينة دالة على خصوص أمر من الأمور يدل على العموم، لا سيما وقد انضم إليه قوله (صلى الله عليه وآله): " من أنفسكم " فإن للمرء أن يتصرف في نفسه ما يشاء ويتولى من أمره ما يشاء، فإذا حكم بأنه أولى بهم من أنفسهم يدل على أن له أن يأمرهم بما يشاء ويدبر فيهم ما يشاء في أمر