فهذا مالك أزمة الشجاعة وحائزها وله من قداحها معلاها وفائزها قد تفوق بها لبان الشرف واغتذاه وتطوق درة سحابة المستحلى وتحلاه وعبق نشر أرجه المنتشر مما أتاه ونطق فعله بمدحه وان لم يفض فاه وصدق والله واصفه بالشجاعة التي يحبها الله.
وإذا ظهرت دلائل الآثار على مؤثرها وأسفرت عن تحقق مثيرها ومشمرها فقد صرح النقلة في صحائف السير بما رأوه وجزموا القول بما نقله المتقدم إلى المتأخر فيما رووه أن الحسين عليه السلام لما قصد العراق وشارف الكوفة سرب إليه أميرها يومئذ عبيد الله بن زياد الجنود لمقابلته أحزابا وحزب عليه الجيوش لمقاتلته أسرابا وجهز من العساكر عشرين الف فارس وراجل يتتابعون كتائبا وأطلابا فلما حضروه وأحدقوا به شاكين في العدة والعديد ملتمسين منه نزوله على حكم ابن زياد وبيعته ليزيد فان أبى ذلك فليؤذن بقتال يقطع الوتين وحبل الوريد ويصعد الأرواح إلى المحل الأعلى ويصرع الأشباح على الصعيد فتبعت نفسه الأبية جدها وأباها وعزفت عن التزام الدنية فأباها ونادته النخوة الهاشمية فلباها ومنحها بالإجابة إلى مجانبة الذلة وحباها فاختار مجالدة الجنود ومضاربة ظباها ومصارمة صوارمها وشيم شباها ولا يذعن لوصمة تسم بالصغار من شرفه خدودا وجباها.
وقد كان أكثر هؤلاء المخرجين لقتاله قد شايعوه وكاتبوه وطاوعوه وتابعوه وسألوه القدوم عليهم ليبايعوه فلما جاءهم كذبوه ما وعدوه وأنكروه وجحدوه ومالوا إلى السحت العاجل فعبدوه وخرجوا إلى قتاله رغبة في عطاء ابن زياد فقصدوه فنصب عليه السلام نفسه وأخوته وأهله وكانوا نيفا وثمانين لمحاربتهم واختاروا بأجمعهم القتل على متابعتهم ليزيد ومبايعتهم فاعتلقتهم الفجرة اللئام ورهقتهم المردة الطغام ورشقتهم النبال والسهام