وهذا الذي ذكرناه - من جملة إخباره بالغائبات وإعلامه بالكائنات قبل كونها - غيض من فيض، ويسير من كثير، ولو لم تكن إلا خطبته القاصعة، وخطبة البصرة المستفيضة الشائعة، وما فيها من الملاحم والحوادث في العباد والبلاد، وأسامي ملوك بني أمية وبني العباس، وما حل من عظائم بلياتهم بالناس لكفى بهما أعجوبة لا يعادلها سواها إلا ما ساواها في معناها، وفيما ذكرناه كفاية ومقنع لذوي الألباب.
وأما الفن الآخر من المعجزات والآيات الخارقة للعادات التي هي غير الإخبار بالغائبات فمما لا يدخل تحت الضبط والانحصار، ونحن نذكر طرفا منها على شريطة الاختصار:
فمن ذلك: قصة عين راحوما والراهب بأرض كربلاء والصخرة، والخبر بذلك مشهور بين الخاص والعام، وحديثها:
أنه عليه السلام لما توجه إلى صفين لحق أصحابه عطش، فأخذوا يمينا وشمالا يطلبون الماء فلم يجدوه، فعدل بهم أمير المؤمنين عن الجادة، وسار قليلا، فلاح لهم دير فسار بهم نحوه، وأمر من نادى ساكنه بالاطلاع إليهم، فنادوه فاطلع، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: (هل قرب قائمك ماء؟) فقال: هيهات، بينكم وبين الماء فرسخان، وما بالقرب مني شئ من الماء. فلوى عليه السلام عنق بغلته نحو القبلة وأشار بهم إلى مكان يقرب من الدير فقال: (اكشفوا الأرض في هذا المكان) فكشفوه بالمساحي فظهرت لهم صخرة عظيمة تلمع فقالوا: يا أمير المؤمنين، ههنا صخرة لا تعمل فيها المساحي، فقال عليه السلام: (إن هذه الصخرة على الماء، فاجتهدوا في