ويغضى * وجه ثالث على مذهب من قال بالصرفة وأن المعارضة كانت في مقدور البشر فصرفوا عنها أو على أحد مذهبي أهل السنة من أن الإتيان بمثله من جلس مقدورهم ولكن لم يكن ذلك قبل ولا يكون بعد لأن الله تعالى لم يقدرهم ولا يقدرهم عليه وبين المذهبين فرق بين وعليهما جميعا فترك العرب الإتيان بما في مقدورهم أو ما هو من جنس مقدورهم ورضاهم بالبلاء والجلاء والسباء والإذلال وتغيير الحال وسلب النفوس والأموال والتقريع والتوبيخ والتعجيز والتهديد والوعيد أبين آية للعجز عن الإتيان بمثله والنكول عن معارضته وأنهم منعوا عن شئ هو من جنس مقدورهم، وإلى هذا ذهب الإمام أبو المعالي
الجويني وغيره قال وهذا عندنا أبلغ في خرق العادة بالأفعال البديعة في أنفسهما كقلب العصا حية ونحوها فإنه قد يسبق إلى
بال الناظر بدارا أن ذلك من اختصاص صاحب ذلك بمزيد معرفة في ذلك الفن وفضل علم إلى أن يرد ذلك صحيح النظر وأما التحدي للخلائق المئين من السنين بكلام من جنس كلامهم ليأتوا بمثله فلم يأتوا فلم يبق بعد توفر الدواعي على المعارضة ثم عدمها إلا أن
منع الله الخلق عنها بمثابة ما لو قال نبي آيتي أن
يمنع الله القيام عن الناس مع مقدرتهم عليه وارتفاع الزمانة عنهم فلو كان ذلك وعجزهم الله تعالى عن القيام لكان ذلك من أبهر آية وأظهر دلالة وبالله التوفيق، وقد غاب عن بعض العلماء وجه ظهور آيته على سائر آيات الأنبياء حتى احتاج للعذر عن
____________________
(قوله والجلاء) بفتح الجيم والمد أي الخروج من البلد (قوله مقدرتهم) بضم الدال وفتحها أي قدرتهم