إن هذه القصص المشهورة من باب خبر الواحد إلا قلة مطالعته للأخبار وروايتها وشغله بغير ذلك من المعارف وإلا فمن اعتنى بطرق النقل وطالع الأحاديث والسير لم يرتب في صحة هذه القصص المشهورة على الوجه الذي ذكرناه ولا يبعد أن يحصل العلم بالتواتر عند واحد ولا يحصل عند آخر فإن أكثر الناس يعلمون بالخبر كون
بغداد موجودة وأنها مدينة عظيمة ودار الإمامة والخلافة وآحاد من الناس لا يعلمون اسمها فضلا عن وصفها وهكذا يعلم الفقهاء من أصحاب مالك بالضرورة وتواتر النقل عنه أن مذهبه إيجاب قراءة أم
القرآن في الصلاة للمنفرد والإمام وإجزاء السية في أول ليلة من
رمضان عما سواه وأن الشافعي يرى تجديد النية كل ليلة والاقتصار في المسح على بعض الرأس وأن مذهبهما
القصاص في
القتل بالمحدد وغيره وإيجاب النية في الوضوء واشتراط الولي في النكاح وأن أبا حنيفة يخالفهما في هذه المسائل وغيرهم ممن لم يشتغل بمذاهبهم ولا روى أقوالهم لا يعرف هذا من مذاهبهم فضلا عمن سواه وعند ذكرنا آحاد هذه المعجزات نزيد الكلام فيها بيانا إن شاء الله تعالى.
____________________
(قوله بغداد) يجوز في داليه الإعجام والإهمال، قال صاحب القاموس بغداد بمهملتين ومعجمتين وتقديم كل منهما وبغدان وبغدين ومغدان مدينة دار السلام وهي عمرت في زمن أبى جعفر المنصور العباسي أخي السفاح سنة خمس وأربعين ومائة وكانت قبل ذلك مبقلة وسبب تسميتها بغداد أن كسرى أقطعها لخصي له وكان ذلك الخصي يعبد صنما في الشرق يقال له بغد فسماها ذلك الخصي بغدادا أي عطية ذلك الصنم