المعاول والمساحي وآلة الفعل، فجعلوا يحفرون بحيال عسكر علي خديعة ومكرا.
قال: ووقعت الضجة في عسكر علي رضي الله عنه، فقال: ويحكم لا عليكم، فإن هذا الذي ترون هو شيء لا يستقيم، ولا يقوى عليه معاوية أبدا ولو أنفق جميع أموال الشام، وإنما يريد أن يزيلكم عن مكانكم، فلا تكونوا ضعفاء القلوب والعقول، ولا تغلبوني على رأي. قال: فضج أهل العراق وقالوا: والله لنرحلن! فإن شئت فارحل وإن شئت فأقم.
قال: ثم ارتحل الناس عن آخرهم وصاروا ناحية في الفرات، وارتحل علي رضي الله عنه في آخر الناس حتى نزل معهم وجعل يقول:
ولو أني أطعت عصبت قومي * إلى ركن اليمامة أو شآم ولكني إذا أبرمت أمرا * تخالفني أقاويل الطغام (1) قال: فلما كان الليل دخل معاوية بعسكره حتى نزل في الموضع الذي كان علي وأصحابه فيه. قال: وأصبح أهل العراق فنظروا إلى عساكر معاوية في مكانهم، فندموا على ما فعلوا، قال: ثم دعا علي بالأشتر والأشعث بن قيس فقال:
إنكما قد غلبتماني على رأيي فدونكما الآن هذا معاوية وأصحابه قد نزلوا على الماء كما كانوا، ويوشك أن سيمنعوكم إياه كما منعوكم أول مرة. قال الأشعث: صدقت يا أمير المؤمنين! وإني سأصلح (2) ما أفسدت. فقال الأشتر: وأنا والله معك ويدي في القوم قبل يدك.
قال: ثم صاح الأشعث في قومه وقال: يا معشر كندة! انظروا أن لا تفضحوني اليوم ولا تخزوني فإني أقارع بكم أهل الشام. قال: فأجابوا سراعا وخرجوا يمشون في الدروع والمغافر وفي أيديهم الرماح والسيوف والحجف.
قال: ونادى الأشتر في أصحابه، فأجابوه كذلك بالسلاح لم يبن منهم إلا الحدق، وجعل الأشتر يرتجز ويقول:
آليت لا أرجع حتى أضربا * بسيفي المصقول ضربا معجبا