فانحدرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله سألتنا عن حبس سيل وأنه لم يكن لنا به علم وأنه مر بي هذا الرجل فسألته فزعم أن به أهله فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " أين أهلك "؟ قال: بحبس سيل، فقال: " أخر أهلك فإنه يوشك أن تخرج منه نار تضئ أعناق الإبل ببصرى ".
قال المؤلف (1) - رحمه الله -: قد صدق الله تعالى ما أنذر به رسوله صلى الله عليه وسلم من ذلك فظهرت بأرض الحجاز إلى خامس جمادي الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة من سنن الهجرة واستمرت شهرا شرقي المدينة النبوية بناحية وادي شظا تلقاء جبل أحد حتى امتلأت تلك الأودية منها وصار يخرج منها شرر يأكل الحجارة وزلزلت المدينة بسببها وسمع الناس أصواتا مزعجة قبل ظهورها بخمسة أيام أولها يوم الاثنين أول الشهر فلم تزل الأصوات ليلا ونهارا حتى ظهرت النار يوم الجمعة خامسه وقد أنتجت الأرض عن نار عظيمة عند وادي شظا وامتدت أربعة فراسخ في أربعة أميال وعمق قامة ونصف فسال الصخر منها ثم صار فحما أسود وأضاءت بيوت المدينة منها في الليل حتى كأن في كل بيت مصباح ورأى الناس سناها بمكة وذكر غير واحد من الأعراب الذين كانوا بحاضرة بصرى من أرض الشام أنهم رأوا صفحات أعناق إبلهم في ضوء النار المذكورة فالتجأ الناس بالمدينة النبوية إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوا واستغفروا الله تعالى وأعتقوا عبيدهم وإماءهم وتصدقوا. في هذه النار يقول:
يا كاشف الضر صفحا عن جرائمنا * لقد أحاطت بنا يا رب بأساء نشكو إليك خطوبا لا نطيق لها * حملا ونحن بها حقا أحقاء زلزال تخشع الصم الصلاب لها * وكيف يقوى على الزلزال شماء [أقام سبعا يرج الأرض فانصدعت * عن منظر منه عين الشمس عشواء] بحر من النار تجري فوقه سفن * من الهضاب لها في الأرض أرساء كأنما فوقه الأجيال طافية * موج عليه لفرط اليهج وعثاء ترمى لها شررا كالقصر طائشة * كأنها ديمة تنصب هطلاء.