المؤمنين عمر بن الخطاب (1). وضع الديوان (2). وفرض الأعطيات. ورتب الناس في الديوان على منازلهم، وقدر أعطياتهم، وذلك أن الناس كثروا
(١) قال الإمام أبو يوسف في كتاب (الخراج): لم يكن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتبة معينة للجنود الذين كانوا يتألفون من جميع أرجاء المسلمين، وإنما كانوا يأخذون مالهم في أربعة أخماس ما يغنمون، وفيما يرد من خراج الأرض التي أبقيت في أيدي أهلها كأرض خيبر، ولما ولى أبو بكر أعطى الناس وسوى بينهم في العطاء قائلا: هذا معاش، فالأسوة فيه خير من الأثرة. فلما ولى عمر، رأى في ذلك غير رأي أبي بكر، وقسم العطاء مفضلا الأسبق فالأسبق.
وفي ترجمة عمرو بن الغفواء من (طبقات ابن سعد) عنه قال: دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أراد أن يبعثني بمال إلى أبي سفيان يقسمه في قريش بمكة بعد الفتح فقال: التمس صاحبا، قال: فجاءني عمرو بن أمية الضمري، فقال: بلغني أنك تريد الخروج، وأنك تلتمس صاحبا.
قلت: أجل، قال: فأنا صاحب. قال: فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: وجدت صاحبا. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي: إذا وجدت صاحبا فآذني. قال: فقال من؟ قلت: عمرو بن أمية الضمري، قال:
فقال إذا هبطت بلاد قومه فاحذره، فإنه قد قال القائل: أخوك البكري ولا تأمنه. (التراتيب الإدارية): ١ / ٢٢٤ - ٢٢٥، فصلا في ثبوت العطاء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، (الإستيعاب): ٣ / ١١٩٨، ترجمه عمرو بن الغفواء رقم (١٩٤٦)، (الإصابة): ٤ / ٦٧٠ ترجمة رقم (٥٩٣٦).
(٢) الديوان دفتر يكتب فيه أسماء أهل العطاء، والعساكر، على القبائل والبطون. وفي (النهاية):
الديوان دفتر يكتب فيه أسماء الجيش وأهل العطاء.
ذكر أبو هلال العسكري في (الأوائل)، والماوردي في (الأحكام السلطانية) أن أول من وضع الديوان في الإسلام عمر بن الخطاب رضي الله تبارك وتعالى عنه، وفي ترجمة عمر بن الخطاب رضي الله تبارك وتعالى عنه، في (تهذيب الأسماء واللغات) للنووي:
وكان عمر هو أول من دون الديوان للمسلمين ورتب الناس على سابقتهم في العطاء، وفي الأذن، والإكرام، فكان أهل بدر أول الناس دخولا عليه، وكان علي بن أبي طالب أولهم، وأثبت أسماءهم في الديوان على قربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبدأ ببني هاشم، وبني المطلب، ثم الأقرب، فالأقرب.
وفي (صبح الأعشى) للقلقشندي أيضا ما نصه: هو - أي عمر - أول من رتب بيت المال فيما ذكره العسكري، لكنه ذكر في موضع آخر أن عمر كان على بيت المال من قبل أبي بكر، فيكون أبو بكر قد سبقه إلى ذلك.
وفي ترجمة أبي بكر من (تاريخ الخلفاء) للسيوطي في فصل أولياته: ومنها أنه أول من اتخذ بيت المال، أخرج ابن سعد عن سهل بن أبي خيثمة وغيره أن أبا بكر كان له بيت مال بالسنح، ليس يحرسه أحد، فقيل له: ألا تجعل عليه من يحرسه؟ قال عليه قفل، فكان يعطي ما فيه حتى يفرغ، فلما انتقل إلى المدينة حوله فجعله في داره، فقدم عليه مال فكان يقسمه على فقراء الناس فيسوي بين الناس في القسم، وكان يشتري الإبل، والخيل، والسلاح، فيجعله في سبيل الله، واشترى قطائف أتى بها من المدائن ففرقها في أرامل المدينة.
فلما توفي أبو بكر ودفن، دعا عمر الأمناء ودخل بهم في بيت أبي بكر، منهم عبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان، ففتحوا بيت المال فلم يجدوا فيه شيئا، لا دينارا، ولا درهما.
وبهذا الأثر يرد قول أبي هلال العسكري في (الأوائل): إن أول من اتخذ بيت المال عمر، وقد رددت عليه في كتابي الذي صنفته في (الأوائل)، ثم رأيت العسكري تنبه له في موضع آخر من كتابه فقال إن أول من ولى بيت المال أبو عبيدة بن الجراح لأبي بكر ويمكن الجمع بأن أبا بكر أول من اتخذ بيت المال من غير إحصاء ولا تدوين، وعمر أول من دون مثلا.
وفي (الكامل في التاريخ) لابن الأثير: وفي سنة (١٥) من الهجرة فرض عمر الفروض ودون الدواوين، وأعطى العطايا.
وفي (الأحكام السلطانية) للماوردي أقوال في السبب الذي حمل عمر على ذلك، منها:
أن أبا هريرة قدم إليه بمال من البحرين فقال عمر: ماذا جئت به؟ قال: خمسمائة ألف درهم، فاستكثره عمر، وقال أتدري ما تقول؟ فقال؟ نعم مائة ألف خمس مرات، فصعد عمر المنبر، وحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس قد جاءنا مال كثير، فإن شئتم كلناه لكم كيلا، وإن شئتم عددناه لكم عدا، فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين قد رأيت الأعاجم يدونون لهم ديوانا، فدون أنت ديوانا، فاستشار عمر رضي الله تبارك وتعالى عنه الناس في تدوين الديوان، فقال عثمان:
أرى مالا كثيرا يسع الناس، وإن لم يحصوا، حتى يعلم من أخذ ممن لم يأخذ خشية أن ينتشر الأمر.
فقال خالد بن الوليد قد كنت بالشام، فرأيت ملوكا لهم دواوين وجندوا أجنادا فدون ديوانا وجند جنودا، فأخذ عمر بقوله، ودعا عقيل بن أبي طالب، ومخرمة بن نوفل، وجبير بن مطعم، وكانوا من شبان قريش، فقال: اكتبوا الناس على منازلهم.
وفي (وفيات الأسلاف) للشهاب المرجاني: وأول من وضع ديوان العساكر في الدولة الإسلامية عمر في محرم سنة عشرين، أمر عقيل بن أبي طالب، ومخرمة، وجبيرا من كتاب قريش، فكتبوا ديوان الجيش بالابتداء من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما بعده على ترتيب الإنسان الأقرب فالأقرب.
وقد استظهر الخزاعي هنا وفصل، أن كتابة الناس في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وتدوينهم إنما كانت في أوقات مخصوصة نحو كتبهم، حين أمر حذيفة بإحصاء الناس، وكذلك العطاء في عصره عليه السلام، لم يكن له وقت معين، ولا مقدار معين، فلما كثر الناس في خلافة عمر، وبيت الأموال وتأكدت الحاجة إلى ضبطهم، وضع الديوان بعد مشاورة الصحابة على ترتيب الأنساب الأقرب فالأقرب، على ما كان يعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لرؤساء قريش وصناديدهم، مثل أبي سفيان بن حرب وصفوا بن أمية، والأقرع بن حابس التميمي، وأمثالهم وذكر أن أبا بكر، وعمر، ما أعطيا المؤلفة قلوبهم شيئا، قال: فإنه روى أنه لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاءوا إلى أبي بكر واستبدلوا الحظ منه لسهامهم، فبدل لهم الحظ، ثم جاءوا إلى عمر، وأخبره بذلك، فأخذ الحظ من يدهم، ومزقة، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعطيكم ليؤلفكم على الإسلام، فأما اليوم فقد أعز الله دينه، فانصرفوا إلى أبي بكر، فأخبروه بما صنع عمر، وقالوا: أنت الخليفة أم هو؟ فقال إن شاء الله هو فأنكر أبو بكر قوله وفعله، وبلغ الصحابة فلم ينكروا، وهذا يدل على أن الناس في زمنه عليه السلام كانوا يأخذون العطاء بالضبط والتقييد، فيدل ذلك على وقوع التدوين، وجعل قوائم للمسلمين وهذا هو الديوان بعينه فتأمل ذلك في (صبح الأعشى) ما نصه: فإن صح ذلك فتكون هذه الدواوين قد وضعت في زمانه عليه السلام، وانظر الفصل الأول من باب كتاب الجيش، وما نقل فيه عن الحافظ في (الفتح) مما يؤول جميعه، بخلاف ما للمتأخرين في هذه الترجمة.
وفي (أحكام القرآن) لابن العربي: وأما ولاية الديوان فهي الكتابة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم كتاب، وللخلفاء بعده، وهي ضبط الجيوش لمعرفة أرزاقهم، والأموال، لتحصيل فوائدها لمن يستحقها.
وفي (المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار) للتقي المقريزي: أن معاوية جعل كل قبيلة من قبائل العرب بمصر رجلا يصبح كل يوم فيدور على المجالس فيقول: هل ولد الليلة فيكم مولود، وهل نزل بكم نازل، فيقال: ولد للفلان غلام، ولفلان جارية، فيكتب أسماءهم ويقال: نزل بهم رجل من أهل كذا بعياله، فيسميه، وعياله فإذا فرغ من القبيلة أتى إلى الديوان ليثبت ذلك.