(١) الحديد: ١٠، قوله تعالى: (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل) أي لا يستوي هذا ومن لم يفعل كفعله وذلك أن قبل فتح مكة كان الحال شديدا فلم يكن يؤمن حينئذ إلا الصديقون وأما بعد الفتح فإنه ظهر الإسلام ظهورا عظيما ودخل الناس في دين الله أفواجا، ولهذا قال تعالى: (أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى) والجمهور على أن المراد بالفتح ههنا فتح مكة، وعن الشعبي وغيره أن المراد بالفتح ههنا صلح الحديبية، وقد يستدل لهذا القول بما قال الإمام أحمد: حدثنا أحمد بن عبد الملك حدثنا زهير حدثنا حميد الطويل عن أنس قال: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف كلام، فقال خالد لعبد الرحمن تستطيلون علينا بأيام سبقتمونا بها فبلغنا أن ذلك ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: " دعوا لي أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفقتم مثل أحد أو مثل الجبال ذهبا ما بلغتم أعمالهم " ومعلوم أن إسلام خالد بن الوليد المواجه بهذا الخطاب كان بين صلح الحديبية وفتح مكة وكانت هذه أعمالهم " وكانت هذه المشاجرة بينهما في بني جذيمة الذين بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلمخالد بن الوليد بعد الفتح فجعلوا يقولون صبأنا صبأنا فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فأمر خالد بقتلهم وقتل من أسر منهم فخالفه عبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن عمر وغيرهما فاختصمهم خالد و عبد الرحمن بسبب ذلك.
والذي في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه " وروى بن جرير وابن أبي حاتم من حديث ابن وهب أخبرنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية حتى إذا كنا بعسفان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
يوشك أن يأتي قوم تحقرون أعمالكم مع أعمالهم فقلنا: من هم يا رسول الله أقريش؟ قال: لا، ولكن أهل اليمن أرق أفئدة وألين قلوبا، فقلنا أهم خير منا يا رسول الله؟ قال: لو كان لأحدهم جبل من ذهب فأنفقه ما أدرك مد أحدكم ولا نصيفه، إلا أن هذه الآية فضلت ما بيننا وبين الناس: (لا يستوي منك من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير).
وهذا الحديث غريب بهذا السياق والذي في الصحيحين من رواية جماعة عن عطاء ابن يسار عن أبي سعيد وقد ذكر الخوارج: تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، والحديث الذي في الصحيح: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، وإنما نبه بهذا لئلا يهدر جانب آخر لمدح الأول دون الآخر، فيتوهم متوهم ذمه، فلهذا عطف بمدح الآخر والثناء عليه مع تفضيل الأول عليه، لهذا قال: (والله بما تعملون خبير) أي فلخبرته فاوت بين ثواب من أنفق من قبل الفتح وقاتل، ومن فعل ذلك بعد ذلك، وما ذاك إلا لعلمه بقصد الأول وإخلاصه التام، وإنفاقه في حال الجهد والقلة والضيق. (تفسير ابن كثير) 4 / 328 - 329 مختصرا.