فصل في ذكر نزول الأوس والخزرج يثرب إعلم أن مواطن العرب في الدهر الأول، والزمن الغابر، كانت باليمن، ومدينة ملكهم مأرب، فلما قام في الملك بمأرب عمر بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد، سمي مزيقياء، لأنه كان له حلة يمانية من ذهب، منظومة بالجوهر، تعمل في حول كامل، فإذا خرج وقد لبسها يوم عيده وعاد إلى قصره وقف لرجاله ومزقها قطعا، كي لا يلبسها أحد بعده (1).
وأخذ هذه السنة عن ذي القرنين، الصعب بن ذي مراثد، وفي أيامه خرب سد مأرب، ومزق الله العرب كل ممزق، كما قال الله تعالى: (لقد كان لسبأ في [مسكنهم] آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور * فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشئ من سدر قليل * ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور * وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين * فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور) (2).
وكان عمرو بن عامر عنده أثارة من علم بخراب سد مأرب (3)، [وتمزقهم] في البلاد، فعمل حيلة حتى باع عقاره بمأر، وخرج بأهله وولده