إمتاع الأسماع - المقريزي - ج ٩ - الصفحة ٣١٤
وكان البراء بن مالك يحدو بالرجال، وكان أنجشة حسن الصوت، وكان إذا حدا أعنقت الإبل (1)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أنجشة رويدك سوقك بالقوارير.
وخرجه البخاري (2) من حديث حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك، وأيوب عن قلابة، عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم

(١) العنق، من السير: المنبسط، والعنيق، كذلك وسير عق وعنيق: معروف، وقد أعنقت الدابة، فهي معنق، ومعناق وعنيق.
وفي حديث معاذ وأبي موسى: أنها كانا مع النبي صلى الله عليه وسلم، في سفر ومعه أصحابه فأناخوا ليلة وتوسد كل رجل منهم بذراع راحلته، قالا: فانتبهنا ولم نر رسول الله صلى الله عليه وسلم، عند راحلته فاتبعناه، فأخبرنا، عليه السلام، أنه خير بين أن يدخل نصف أمته الجنة وبين الشفاعة، وأنه اختار الشفاعة، فانطلقنا معانيق إلى الناس نبشرهم، قال شمر: قوله معانيق أي مسرعين، يقال: أعنقت إليه أعنق إعناقا.
وفي حديث أصحاب الغار: فانفرجت الصخرة فانطلقوا معانقين أي مسرعين، من عانق مثل أعنق إذا سارع وأسرع، ويروي: فانطلقوا معانيق، ورجل معنق وقوم معنقون ومعانيق، قال: والعنق ضرب من سير الدابة والإبل، وهو سير منبسط. مختصرا من (لسان العرب):
١٠ / / ٢٧٣ - ٢٧٤.
(٢) (فتح الباري): ١٠ / ٦٧٥، كتاب الأدب، باب (٩٥) ما جاء في قول الرجل " ويلك " حديث رقم (٦١٦١)، وأخرجه والحديثين بعده في كتاب الأدب باب (٩٠)، ما يجوز من الشعر والرجز والحداء وما يكره منه حديث رقم (٦١٤٩)، وقال في آخره: قال أبو قلابة: فتكلم النبي صلى الله عليه وسلم بكلمات لو تكلم بها بعضكم لعبتموها عليه، وأخرجه في باب (١١١)، من دعا صاحبه فنقص من اسمه حرفا، حديث رقم (٦٢٠)، وفيه: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا أنجش "، وفي باب (١١٦)، المعاريض مندوحة عن الكذب، وقال إسحاق: سمعت أنس: مات ابن لأبي طلحة، فقال: كيف الغلام؟ قالت أم سليم: هدأت نفسه، وأرجو أن يكون قد استراح. وظن أنها صادقة، حديث رقم (٦٢٠٩)، وفيه: " أرفق يا أنجشة - ويحك - بالقوارير "، وحديث رقم (٦٢١٠)، وفيه: " قال أبو قلابة: القوارير يعني النساء "، وحديث رقم (٦٢١١)، وفيه: " قال قتادة: يعني ضعفة النساء ".
وأخرجه مسلم في كتاب الفضائل، باب (١٨)، رحمة النبي صلى الله عليه وسلم للنساء، وأمر السواق مطاياهن بالرفق بهن، حديث رقم (٧٠)، وفيه: " يا أنجشة رويدك سوقا بالقوارير " وحديث رقم (٧١)، وفيه: " ويحك يا أنجشة رويدا سوقك بالقوارير " وحديث رقم (٧٢)، وفيه: " أي أنجشة رويدا سوقك بالقوارير "، وحديث رقم (٧٣)، وفيه: " رويدا يا أنجشة لا تكسر القوارير يعني ضعفة النساء ".
قوله صلى الله عليه وسلم (يا أنجشة رويدك سوقك بالقوارير) وفي رواية ويحك يا أنجشة رويدا سوقك بالقوارير، وفي رواية: يا أنجشة لا تكسر القوارير يعني ضعفة النساء، أما أنجشة فهمزة مفتوحة وإسكان النون وبالجيم وبشين معجمة، وأما رويدك فمنصوب على الصفة بمصدر محذوف أي سق سوقا رويدا، ومعناه الأمر بالرفق بهن وسوقك منصور بإسقاط الجار، أي أرفق في سوقك بالقوارير، قال العلماء: سمي النساء قوارير لضعف عزائمهن تشبيها بقارورة الزجاج لضعفها، وإسراع الانكسار إليها واختلف العلماء في المراد بتسميتهن قوارير على قولين: ذكرهما القاضي وغيره، أصحهما عند القاضي وآخرين وهو الذي جزم به الهروي وصاحب (التحرير) وآخرون: أن معناه أن أنجشة كان حسن الصوت وكان يحدو بهن وينشد شيئا من القريض والرجز، وما فيه تشبيب، فلم يأمن أن يفتنهن ويقع في قلوبهن حداؤه، فأمره بالكف عن ذلك، ومن أمثالهم المشهورة: الغناء رقية الزنا، قال القاضي: هذا أشبه بمقصوده صلى الله عليه وسلم وبمقتضى اللفظ، قال: وهو الذي يدل عليه كلام أبي قلابة المذكور في هذا الحديث في مسلم والقول الثاني: أن المراد به الرفق في السير، لأن الإبل إذا سمعت الحداء أسرعت في المشي، واستلذته فأزعجت الراكب، وأتعبته، فنهاه عن ذلك لأن النساء يضعفن عند شدة الحركة، ويخاف ضررهن، وسقوطهن.
وأما " ويحك " فهكذا وقع في مسلم ووقع في غيره " ويلك " قال القاضي: قال سيبويه: " ويل " كلمة تقال لمن وقع في هلكة، " وويح: تقال لمن أشرف على الوقوع في هلكة، وقال الفراء: " ويل وويح وويس " بمعنى، وقيل: " ويح " كلمة لمن وقع في هلكة لا يستحقها - يعني في عرفنا - فيرثى له، ويترحم عليه، و " ويل " ضده، قال القاضي: قال بعض أهل اللغة: لا يراد بهذه الألفاظ حقيقة الدعاء وإنما يراد بها المدح، والتعجب.
وفي هذه الأحاديث جواز الحداء، وهو بضم الحاء، ممدود، وجواز السفر بالنساء، واستعمال المجاز، وفيه مساعدة النساء من الرجال، ومن سماع كلامهم إلا الوعظ، ونحوه.
(شرح النووي): 15 / 86 - 88.
وأخرجه الإمام أحمد في (المسند): 4 / 35، حديث رقم (12532)، 4 / 102، حديث رقم (12964)، كلاهما من مسند أنس بن مالك رضي الله تبارك وتعالى عنه.
وأخرجه الحافظ البيهقي في (السنن الكبرى): 10 / 227، كتاب الشهادات باب لا بأس باستماع الحداء ونشيد الأعراب كثر أو قل، وفيه: " رويدك يا أنجشة لا تكسر القوارير ".
(٣١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 309 310 311 312 313 314 316 317 318 319 320 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 فصل في ذكر عمرات رسول الله صلى الله عليه وسلم التي اعتمرها بعد هجرته 3
2 عمرة القضاء 17
3 عمرة الجعرانة 22
4 فصل في ذكر حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة 25
5 فصل في ذكر من حدث عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم 38
6 فأما ما أخبر به صلى الله عليه وسلم عن رب العزة جلت قدرته 38
7 وأما الأحاديث الإلهية 46
8 وأما الحكمة وهي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم 48
9 وأما مجيء الجبال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم 51
10 وأما إنزال الملك يبشره بالفاتحة وبالآيتين من سورة البقرة 52
11 وأما الملك الذي نزل بتصويب الحباب 52
12 وأما اجتماعه بالأنبياء ورؤيتهم في ليله الإسراء 53
13 وأما حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إبراهيم عليه السلام 53
14 وأما حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تميم الدارس 62
15 وأما حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قس بن ساعدة 68
16 وأما حديثه صلى الله عليه وسلم عن أبي كبشة 70
17 فصل في ذكر من حديث وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه 70
18 إسلام الجن وإنذارهم 70
19 وأما الصحابة رضوان الله عليهم 81
20 أما المهاجرون 85
21 ذكر هجرة الذين هاجروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة 87
22 وأما السابقون الأولون 88
23 وأما الذين أسلموا إلى أن خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من دار الأرقم 91
24 وأما المستضعفون الذين عذبوا في الله 105
25 وأما المهاجرون إلى الحبشة 115
26 وأما من أسلم قبل الفتح 117
27 وأما الذين شهدوا بدرا وبيعة الرضوان 121
28 وأما رفقاؤه النجباء 128
29 وأما أهل الفتيا من أصحابه صلى الله عليه وسلم 130
30 فصل في ذكر أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم 169
31 فصل في ذكر نزول الأوس والخزرج بيثرب 171
32 فصل في ذكر بطون الأوس والخزرج 175
33 فصل في ذكر ما أكرم الله تعالى به الأوس والخزرج 178
34 أول من لقيه من الأوس سويد بن الصامت 184
35 ثم لقى صلى الله عليه وسلم بعد لقاء سويد بن الصامت فتية من بني عبد الأشهل 185
36 وكان من خبر يوم بعاث 187
37 فصل في ذكر خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة وهجرته إلى المدينة 193
38 فصل في ذكر مواساة الأنصار المهاجرين بأموالهم لما قدموا عليهم المدينة 204
39 فصل في ذكر من بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم الأنصار وغيرهم القرآن ويفقهم في الدين 206
40 عقوبة من سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم 209
41 فصل في التنبيه على شرف مقام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم 221
42 وأما وصاياه صلى الله عليه وسلم 222
43 فصل في ذكر أمراء سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم 223
44 فأما اعتذاره عن التخلف 223
45 فصل في ذكر من أستخلفه رسول اله صلى الله عليه وسلم على المدينة في غيبته عنها في غزو، أو حج، أو عمرة 226
46 فصل في ذكر من استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيوشه عند عودته صلى الله عليه وسلم 228
47 فصل في نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرعب 237
48 فصل في ذكر شورة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحرب وذكر من رجع إلى رأيه 240
49 فصل في ذكر ما كان يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا 267
50 فصل في ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد غزوة ورى بغيرها 268
51 فصل في وقت إغارة رسول الله صلى الله عليه وسلم 269
52 فصل في ذكر الوقت الذي يقاتل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم 271
53 فصل في ذكر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على المشركين في محاربتهم 272
54 فصل في ذكر شعار رسول الله صلى الله عليه وسلم في حروبه 275
55 فصل في ذكر المغازي التي قاتل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم 277
56 فصل في ذكر ما كان للنبي صلى الله عليه وسلم من الغنيمة 279
57 فصل في ذكر من جعله النبي صلى الله عليه وسلم على مغانم حروبه 290
58 فصل في ذكر من كان على ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم 301
59 فصل في ذكر من حدا برسول الله صلى الله عليه وسلم في أسفاره 302
60 فصل في ذكر وزير رسول الله صلى الله عليه وسلم 318
61 فصل في ذكر صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم 322
62 فصل في ذكر خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يختم به 335
63 فصل في ذكر ما كان يختم به رسول الله صلى الله عليه وسلم كتبه 337
64 فصل في ذكر صاحب خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم 338
65 فصل في ذكر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابة الجيش وقسمة العطاء فيهم وعرضهم وعرفائهم 339
66 فصل في ذكر ما أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأرضية ونحوه 358
67 فصل في ذكر أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزية والخراج 365
68 فصل في ذكر عمال رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجزية 375
69 فصل في ذكر عمال رسول الله صلى الله عليه وسلم على الزكاة 376
70 فصل في ذكر الصدقة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم 380
71 فصل في ذكر الخارص على عهد رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم 381
72 فصل في ذكر من ولى السوق في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعرف هذه الولاية اليوم بالحسبة، ومتوليها له المحتسب 386