وقد أفسد قومه ولفظوه؟ فكان ذلك مما ادخر الله عز وجل للأنصار وأكرمهم به، [من البركة (1)].
فلما توفي أبو طالب ارتد البلاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد ما كان، فعهد إلى ثقيف بالطائف، رجاء أن يؤووه، فوجد ثلاثة نفر، هم ساده ثقيف يومئذ، وهم إخوة: عبد يا ليل بن عمرو، وحبيب بن عمرو، ومسعود بن عمرو، فعرض عليهم نفسه، وشكا إليهم البلاء، وما انتهك منه قومه، فقال أحدهم:
أنا أسرق أستار الكعبة إن كان الله قد بعثك بشئ! وقال الآخر: أعجز الله أن يرسل غيرك؟ وقال الآخر: والله لا أكلمك بعد مجلسك هذا أبدا، والله لئن كنت رسول الله، لأنت أعظم شرفا وحقا من أن أكلمك، ولئن كنت تكذب على الله، لأنت أشر من أن أكلمك، وهزءوا به، وأفشوا في قومهم الذي راجعوه به، وقعدوا له صفين على طريقه، فلما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين صفيهم، جعلوا لا يرفع رجليه ولا يضعها، إلا رضخوها بالحجارة، حتى دموا رجليه، فخلص منهم وهما يسيلان الدماء.
فعمد إلى حائط من حوائطهم واستظل في ظل حبله (2) منه، [وهو] مكروب موجع، تسيل رجلاه دما، فإذا في الحائط عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، فلما رآهما كره مكانهما، لما يعلم من عداوتهما لله ورسوله، فلما رأياه أرسلا إليه غلاما [لهما] يدعى عداس - هو نصراني من أهل نينوى معه عنب - فلما جاءه عداس، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أي أرض أنت يا عداس؟ قال: أنا من أهل نينوى، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مدينة الرجل الصالح يونس بن متى؟ فقال له عداس: وما يدريك من يونس بن متى؟ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم - وكان لا يحقر أحدا أن يبلغه رسالة ربه -: أنا رسول الله، والله عز وجل أخبرني خبر يونس [بن] متى، فلما أخبره بما أوحى الله إليه من شأن يونس بن متى، خر عداس ساجدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يقبل قدميه وهما يسيلان الدماء، فلما أبصر عتبة وشيبة ما صنع غلامهما، سكتا،