وقال سعيد بن منصور المكي في كتابه (الزهد): حدثني سفيان عن زيد ابن أسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأتي قوم من ها هنا - وأشار بيده نحو اليمين - تحتقرون أعمالكم عند أعمالهم، قالوا: فنحن خير أم هم؟ قال:
بل أنتم، لو أنفق أحدهم مثل أحد ذهبا، ما أدرك مد أحدكم ولا نصيفه، فضلت هذه الآية بيننا وبين الناس: (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا [وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير]). حديث مرسل.
وقال أبو عمر بن عبد البر: فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من أصحابه بفضائل، وسمهم بها، وذكرهم فيها، ولم يأت عنه أنه فضل منهم واحد على صاحبه بعينه من وجه يصح، ولكنه ذكر من فضائلهم، ما يستدل به على مواضعهم ومنازلهم من الفضل، والدين، [و] العلم.
وكان صلى الله عليه وسلم أحلم وأكرم معاشرة، وأعلم بمحاسن الأخلاق، من أن يواجه فاضلا منهم، بأن غيره أفضل منه، فيجد من ذلك في نفسه، بل فضل السابقين منهم، وأهل الاختصاص به، على من لم ينل منازلهم، فقال لهم: لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا، ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه، وهذا معنى قول الله تعالى: (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا) ومحال أن يستوي من قاتله صلى الله عليه وسلم، مع من قاتل عنه.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لبعض من لم يشهد بدرا وقد رآه يمشي بين يدي أبي بكر رضي الله تبارك وتعالى عنه: تمشي بين يدي من هو خير منك؟!
لأنه كان أعلمهما، ذلك في الجملة، لمن شهد بدرا والحديبية، ولكل طبقة منهم منزلة معروفة، وحال موصوفة، رضي الله تبارك وتعالى عنهم.