(1) منها ما أخرجه أبو داود في (السنن): 4 / 197 - 200، كتاب الطب، باب (7) في الكي حديث رقم (3865)، عن عمران بن حصين قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكي، فاكتوينا، فما أفلحن وما أنجحن)، قال أبو داود: وكان يسمع تسليم الملائكة، فلما اكتوى انقطع عنه، فلما ترك رجع إليه.
وأخرجه الترمذي في (السنن): 4 / 341، كتاب الطب، باب (10) ما جاء في كراهية التداوي بالكي، حديث رقم (2049)، وفيه: (فابتلينا فاكتوينا فما أفلحنا ولا أنجحنا) قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، ثم قال:
حدثنا عبد القدوس بن محمد، حدثنا عمرو بن عاصم، حدثنا همام عن قتادة عن الحسن عن عمران بن حصين قال: نهينا عن الكي.
قال أبو عيسى: وفي الباب عن ابن مسعود، وعقبة بن عامر، وابن عباس، وهذا حديث حسن صحيح.
وأخرجه ابن ماجة في (السنن): 2 / 1154 - 1155، كتاب الطب، باب (23) الكي، حديث رقم (3489)، (من اكتوى أو استرقى فقد برئ من التوكل)، يريد أن كمال التوكل يقتضي ترك الأدوية، ومن أتى بها فقد برئ من تلك المرتبة العظيمة من التوكل.
وحديث رقم (3490)، وهو حديث عمران بن الحصين المذكور في الباب.
وحديث رقم (3491) من حديث ابن عباس، وقال في آخره: (وأنهى أمتي عن الكي).
قال الشيخ: إنما كوى صلى الله عليه وسلم سعدا ليرقأ عن جرحه الدم، وخاف عليه أن ينزف فيهلك، والكي مستعمل في هذا الباب، وهو من العلاج الذي تعرفه الخاصة وأكثر العامة، والعرب تستعمل الكي كثيرا فيما يعرض لها من الأدواء، وتقول في أمثالها: (آخر الدواء الكي).
وأما حديث عمران بن حصين في النهي عن الكي، فقد يحتمل وجوها، أحدها: أن يكون من أجل أنهم كانوا يعظمون أمره ويقولون: (آخر الدواء الكي)، ويرون أنه يحسم الداء ويبرئه، وإذا لم يفعل ذلك عطب صاحبه وهلك، فنهاهم، عن ذلك إذا كان على ذلك الوجه.
وأباح لهم استعماله على معنى التوكل على الله سبحانه، وطلب الشفاء، والترجي للبرء بما يحدث الله عز وجل من صنعه فيه، ويجلبه من الشفاء على أثره، فيكون الكي والدواء سببا لا علة.
وهذا أمر قد تكثر في شكوك الناس، وتخطئ فيه ظنونهم وأوهامهم، فما أكثر ما تسمعهم يقولون: لو أقام فلان بأرضه وبلده لم يهلك، ولو شرب الدواء لم يسقم، ونحو ذلك من تجريد إضافة الأمور إلى الأسباب، وتعليق الحوادث بها، دون تسليط القضاء عليها، وتغليب المقادير فيها، فتكون الأسباب أمارات لتلك الكوائن، لا موجبات لها، وقد بين الله جل جلاله ذلك في كتابه حيث قال:
(أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة) [النساء: 78]، وقوله تعالى حكاية عن الكفار: (وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم) [آل عمران: 156].
وفيه وجه آخر وهو: أن يكون معنى نهيعمران بن حصين خاصة، عن الكي في علة بعينها، لعلمه أنه لا ينجع، ألا تراه يقول: (فما أفلحنا ولا أنجحنا)، وقد كان به الناصور، فلعله إنما نهاه عن استعمال الكي في موضعه من البدن.
والعلاج: إذا كان فيه الخطر العظيم كان محظورا، والكي في بعض الأعضاء يعظم خطره، وليس كذلك في بعض الأعضاء، فيشبه أن يكون النهي منصرفا إلى النوع المخوف منه. والله تعالى أعلم (معالم السنن) مختصرا.