ابن عدي، هاديا خريتا - والخريت: الماهر بالهداية - قد غمس حلفا في آل العاصي بن وائل السهمي، وهو على دين كفار قريش، فأمناه، فدفعا إليه راحلتيهما، وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما صبح ثلاث ليال، وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل، فأخذ بهم طريق السواحل (1).
(١) (فتح الباري): ٧ / ٢٩١ - ٢٩٣، كتاب مناقب الأنصار، باب (٤٥) هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة، حديث رقم (٣٩٠٥).
قوله: (برك الغماد): موضع باليمن.
قوله: (ابن الدغنة): فتح الغين، وقيل: إن ذلك كان لاسترخاء في لسانه، والصواب الكسر، وثبت بالتخفيف والتشديد من طريق، وهي أمه، وقيل: أم أبيه، وقيل: دابته، ومعنى الدغنة المسترخية، وأصلها الغمامة الكثيرة المطر.
واختلف في اسمه، فعند البلاذري من طريق الواقدي، عن معمر عن الزهري أنه الحارث بن يزيد، وحكى السهيلي أن اسمه مالك، وقيل غير ذلك.
قوله: (وهو سيد القارة)، بالقاف وتخفيف الراء، وهي قبيلة مشهورة من بني الهون - بالضم والتخفيف - ابن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، وكانوا حلفاء بني زهرة من قريش، وكانوا يضرب بهم المثل في قوة الرمي.
قوله: (أخرجني قومي)، أي تسببوا في إخراجي.
قوله: (فأريد أن أسيح)، بالمهملتين، لعل أبا بكر طوى عن ابن الدغنة تعيين جهة مقصدة لكونه كافرا، وإلا فقد تقدم أنه قصد التوجه إلى أرض الحبشة، ومن المعلوم أنه لا يصل إليها من الطريق التي قصدها، حتى يسير في الأرض وحده زمانا، فيصدق أنه سائح، ولكن حقيقة السياحة أن لا يقصد موضعا بعينه يستقر فيه.
قوله: (وتكسب المعدوم) - أو المعدم في رواية - وقد تقدم شرح هذه الكلمات في حديث بدء الوحي، وفي موافقة وصف ابن الدغنة لأبي بكر رضي الله عنه بمثل ما وصفت به خديجة النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على عظيم فضل أبي بكر، واتصافه بالصفات البالغة في أنواع الكمال.
قوله: (فيتقذف) بالمثناة والقاف والذال المعجمة الثقيلة، أي يزدحمون عليه حتى يسقط بعضهم على بعض فيكاد ينكسر.
قوله: (بكاء) بالتشديد أي كثير البكاء.
قوله: (لا يملك عينيه)، أي لا يطيق إمساكها عن البكاء من رقة قلبه، وقوله: (إذا قرأ)، إذ ظرفية، والعامل فيه لا يملك، أو هي شرطية والجزاء مقدر.
قوله: (فأفزع ذلك) أي أخاف الكفار لما يعلمونه من رقة قلوب النساء والشباب أن يميلوا إلى دين الإسلام.
قوله: (نخفر له) بضم أوله وبالخاء المعجمة وكسر الفاء، أي نغدر بك، يقال: خفره إذا حفظه، وأخفره إذا غدر به.
قوله: (مقرين لأبي بكر الاستعلان) أي لا نسكت عن الإنكار عليه للمعنى الذي ذكروه من الخشية على نسائهم وأبناءهم أن يدخلوا في دينه.
قوله: (وأرضى بجوار الله) أي أمانته وحمايته، وفيه جواز الأخذ بالأشد في الدين - وقوة يقين أبي بكر رضي الله عنه.
قوله: (ورجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة)، أي لما سمعوا باستيطان المسلمين المدينة، رجعوا إلى مكة، فهاجر إلى أرض المدينة معظمهم لا جميعهم، لأن جعفرا ومن معه تخلفوا في الحبشة، وهذا السبب في مجئ مهاجرة الحبشة غير السبب المذكور في مجئ من رجع منهم أيضا في الهجرة الأولى، لأن ذاك كان بسبب سجود المشركين مع النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين في سورة النجم، فشاع أن المشركين أسلموا وسجدوا، فرجع من رجع من الحبشة، فوجدوهم أشد ما كانوا.
قوله: (الخبط) بفتح المعجمة والموحدة ما يخبط بالعصا فيسقط من ورق الشجر. قاله ابن فارس.
قوله: (في نحر الظهيرة)، أي أول الزوال، وهو أشد ما يكون في حرارة النهار، والغالب في أيام الحر القيلولة فيها، وفي رواية ابن حبان: (فأتاه ذات يوم ظهرا)، وفي حديث أسماء بنت أبي بكر عند الطبراني: (كان يأتينا بمكة كل يوم مرتين بكرة وعشية، فلما كان يوم من ذلك جاءنا في الظهيرة، فقلت: يا أبت هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: (هذا رسول الله متقنعا)، أي مغطيا رأسه، وفي رواية موسى بن عقبة عن ابن شهاب، قلت عائشة: (وليس عند أبي بكر إلا أنا وأسماء).
وفي هذا الحديث جواز ليس الطيلسان، وجزم ابن القيم بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلبسه ولا أحد من أصحابه، وأجاب عن الحديث بأن التقنع يخالف التطليس.
قال: ولم يكن يفعل التقنع عادة بل للحاجة، وتعقب بأن في حديث أنس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر التقنع). وفي (طبقات ابن سعد) مرسلا: (ذكر الطيلسان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هذا ثوب لا يؤدي شكره).
قوله: (ثقف) بفتح المثلثة وكسر القاف، ويجوز إسكانها وفتحا وبعدها فاء) الحاذق، تقول:
ثقفت الشئ إذا أقمت عوجه.
قوله: (لقن) بفتح اللام وكسر القاف بعدها نون، اللقين: السريع الفهم.
قوله: (فيدلج) بتشديد الدال بعدها جيم، أي يخرج بسحر إلى مكة.
قوله: (فيصبح مع قريش بمكة كبائت) أي مثل البائت، يظنه من لا يعرف حقيقة أمره لشدة رجوعه بغلس.
قوله: (يكتادان به) في رواية الكشميهني: (يكادان به) بغير مثناة، أي يطلب لهما فيه المكروه، وهو من الكيد.
قوله: (رضيفهما) بفتح الراء وكسر المعجمة، بوزن رغيف، أي اللبن المرضوف، أي التي وضعت فيه الحجارة المحماة بالشمس أو النار، لينعقد وتزول رخاوته، وهو بالرفع، ويجوز الجر.
قوله: (حتى ينعق بها عامر) ينعق بكسر العين المهملة أي يصيح بغنمه، والنعيق صوت الراعي إذا زجر الغنم.
قوله: (والخريت الماهر بالهداية) قال ابن سعد وقال الأصمعي: إنما سمي خريتا لأنه يهدي خرت الإبرة أي ثقبها، وقال غيره: قيل له ذلك لأنه يهتدي لأخرات المفازة وهي طرقها الخفية.
قوله: (وقد غمس) بفتح العين المعجمة بعدها مهملة (حلفا) بكسر المهملة وسكون اللام، أي كان حليفا، وكانوا إذا تحالفوا غمسوا أيمانهم في دم، أو خلوق، أو في شئ يكن فيه تلويث، فيكون ذلك تأكيدا للحلف.