برؤيته تعالى في الدنيا بالأبصار، وعن الإمام مالك بن أنس قال: لم ير في الدنيا لأنه باق، ولا يرى الباقي بالفاني، فإذا كان في الآخرة، رزقوا أبصارا باقية، رأوا الباقي بالباقي.
قال القاضي عياض: وهذا الكلام حسن مليح، وليس فيه دليل على الاستحالة، إلا من حيث ضعف القوة، فإذا قوى الله تعالى من يشاء من عباده، وأقدره على القيام بأعباء الرؤية، لم يمتنع في حقه.
وقال القاسم أبو عاصم، محمد بن أحمد العبادي، في قول ابن عباس وغيره، رآه بقلبه: وعلى هذا رأى ربه رؤية صحيحة، وهي أن الله تعالى جعل بصره في فؤاده، وخلق لفؤاده بصرا حتى رأى ربه رؤية صحيحة، كما ترى العين.
وقال أبو العباس محمد بن يزيد المبرد: ومعنى الآية - يعني قوله: (ما كذب الفؤاد ما رأى) - أن الفؤاد رأى شيئا فصدق فيه ما رأى، أي ما كذب الفؤاد مرئيه، وقرأ أبو عامر: (ما كذب) بالتشديد، قال المبرد:
معناه أنه رأى شيئا فقبله.
قال الواحدي: وهذا الذي قاله المبرد على أن الرؤية للفؤاد، فإن جعلها للبصر فظاهر، أي ما كذب الفؤاد ما رأى البصر، والله أعلم.
الثالث: أنه إنما رأى ليلة الإسراء جبريل، ولم ير رب العزة تعالى، وهو مذهب عائشة، وعبد الله بن مسعود، ويروى عن أبي هريرة، وأبي ذر، رضي الله عنهم.
فظهر مما تقدم، أنه صلى الله عليه وسلم رأى جبريل عليه السلام ليلة الإسراء على صورته، وكان قد رآه قبل ذلك في ابتداء الوحي، منهبطا من السماء إلى الأرض، على الصورة التي خلق عليها، وهو المعنى بقوله: (علمه شديد