إمتاع الأسماع - المقريزي - ج ٨ - الصفحة ٢٦٠
الله [عز وجل]، قال: فأمر ببقرة من نحاس (1) فأحميت، ثم أمر بها لتلقى فيها.
قالت: إن لي إليك حاجة، قال: ما هي؟ قالت: تجمع عظامي، وعظام ولدي في موضع، قال: ذاك لك، لما لك علينا من الحق، قال: فأمر بهم فألقوا واحدا واحدا، حتى بلغ رضيعا فيهم، فقال: قعي يا أمه، ولا تقاعسي، فإنا على الحق، قال: وتكلم أربعة وهم صغار، هذا وشاهد يوسف، وصاحب جريج، وعيسى [ابن] مريم عليه السلام (2).

(١) قدر كبير من نحاس.
(٢) (دلائل البيهقي): ٢ / ٣٨٩.
وأما الثلاثة الذين تكلموا في المهد، فخرج البخاري، من حديث جرير بن حازم، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة، عيسى، وكان في بني إسرائيل رجل يقال له جريج كان يصلي، فجاءته أمه فدعته، فقال: أجيبها أو أصلى؟
فقالت: اللهم لا تمته حتى تريه وجه المومسات، وكان جريج في صومعته، فتعرضت له امرأة، وكلمته فأبى، فأتت راعيا فأمكنته من نفسها، فولدت غلاما، فقالت: من جريج، فأتوه فكسروا صومعته، وأنزلوه، وسبوه، فتوضأ وصلى، ثم أتى الغلام فقال: من أبوك يا غلام؟ قال: الراعي، قالوا: نبني صومعتك من ذهب؟ قال: لا، إلا من طين. وكانت امرأة ترضع ابنا لها من بني إسرائيل، فمر راكب ذو شارة، فقالت: اللهم اجعل ابني مثله، فترك ثديها، وأقبل على الراكب، فقال: اللهم لا تجعلني مثله، ثم أقبل على ثديها يمصه، قال أبو هريرة: كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يمص إصبعه، ثم مر بأمة فقالت: اللهم لا تجعل ابني مثل هذه، فترك ثديها، فقال: اجعلني مثلها، فقالت: لم ذاك؟ فقال:
الراكب جبار من الجبابرة، وهذه الأمة يقولون: سرقت، زنيت، ولم تفعل)، أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب (٤٨) قول الله تعالى: (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها)، حديث رقم (٣٤٣٦).
قوله: (لم يتكلم في المهد إلا الثلاثة، قال القرطبي: في هذا الحصر نظر، إلا أن يحمل على أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك قبل أن يعلم الزيادة على ذلك، وفيه بعد.
ويحتمل أن يكون كلام الثلاثة المذكورين مقيدا بالمهد، وكلام غيرهم من الأطفال بغير مهد، لكنه يعكر عليه أن في رواية ابن قتيبة أن الصبي الذي طرحته أمه في الأخدود كان ابن سبعة أشهر، وصرح بالمهد في حديث أبي هريرة.
وفيه تعقيب على النووي في قوله: إن صاحب الأخدود لم يكن في المهد، والسبب في قوله هذا، ما وقع في حديث ابن عباس عند أحمد، والبزار، وابن حبان، والحاكم: (لم يتكلم في المهد إلا أربعة)، فلم يذكر الثالث الذي هنا، وذكر شاهد يوسف، والصبي الرضيع الذي قال لأمه - وهي ماشطة بنت فرعون - لما أراد فرعون إلقاء أمه في النار: (اصبري يا أمه فإنا على الحق).
وأخرج الحاكم نحوه من حديث أبي هريرة، فيجتمع من هذا خمسة، ووقع ذكر شاهد يوسف أيضا في حديث عمران بن حصين، لكنه موقوف، وروى ابن أبي شيبة من مرسل هلال بن يساف مثل حديث ابن عباس، إلا أنه لم يذكر ابن الماشطة.
وفي صحيح مسلم بن حديث صهيب في قصة أصحاب الأخدود (أن امرأة جئ بها لتلقى في النار أو لتكفر، ومعها صبي يرضع، فتقاعست، فقال لها: يا أمه اصبري فإنك على الحق).
وزعم الضحاك في تفسيره أن يحيى تكلم في المهد، أخرجه الثعلبي، فإن ثبت صاروا سبعة.
وذكر البغوي في تفسيره أن إبراهيم الخليل تكلم في المهد، وفي (سير الواقدي) أن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم أوائل ما ولد، وقد تكلم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مبارك اليمامة، وقصته في (دلائل النبوة البيهقي) من حديث معرض - بالضاد المعجمة - والله تعالى أعلى وأعلم (فتح الباري).
* وفي الحديث إيثار إجابة الأم على صلاة التطوع، لأن الاستمرار فيها نافلة، وإجابة الأم وبرها واجب قال النووي وغيره: إنما دعت عليه فأجيبت، لأنه كان يمكنه أن يخفف ويجيبها، لكن لعله خشي أن تدعوه إلى مفارقة صومعته والعود إلى الدنيا ومتعلقاتها، كذا قال النووي، وفيه نظر، بسط القول فيه الحافظ في (الفتح).
* وفي الحديث أيضا عظم بر الوالدين وإجابة دعائهما ولو كان الولد معذورا، لكن يختلف الحال فيه بحسب المقاصد.
* وفيه الرفق بالتابع إذا جرى منه ما يقتضي التأديب، لأن أم جريج مع غضبها منه لم تدع عليه إلا بما دعت به خاصة، ولولا طلبها الرفق به لدعت عليه بوقوع الفاحشة أو القتل.
* وفيه أن صاحب الصدق مع الله لا تضره الفتن.
* وفيه قوة يقين جريج المذكور وصحة رجائه، لأنه استنطق المولود مع كون العادة أنه لا ينطق، ولولا صحة رجائه بنطقه ما استنطقه.
* وفيه أن الأمرين إذا تعارضا بدئ بأهمهما، وأن الله تعالى يجعل لأوليائهم عند ابتلائهم مخارج، وإنما يتأخر ذلك عن بعضهم في بعض الأوقات تهذيبا، وزيادة لهم في الثواب.
* وفيه إثبات كرامات الأولياء، ووقوع الكرامة لهم باختيارهم وطلبهم.
* وفيه جواز الأخذ بالأشد في العبادة لمن علم من نفسه قوة على ذلك.
* وفيه أن مرتكب الفاحشة لا تبقى له حرمة، وأن المفزع في الأمور المهمة إلى الله يكون بالتوجه إليه بالصلاة.
- * - وفيه أن الوضوء لا يختص بهذه الأمة خلافا لمن زعم ذلك، وإنما الذي يختص بها الغرة والتحجيل في الآخرة (فتح الباري)، (مصنف ابن أبي شيبة): ٦ / ٣٤٢ - ٣٤٣، كتاب الفضائل، باب (7) ما ذكر فيما فضل به عيسى عليه السلام، حديث رقم (31864)، (مسند أحمد): 2 / 592 - 593، حديث رقم (8010) مسند أبي هريرة رضي الله عنه، (المستدرك): 2 / 650، كتاب تواريخ المتقدمين من الأنبياء والمرسلين، حديث رقم (4161)، (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان): 14 / 411 - 413، كتاب التاريخ، باب (5) المعجزات، ذكر خبر ثان يصرح بأن غير الأنبياء قد يوجد لهم أحوال تؤدي إلى المعجزات، حديث رقم (6489).
(٢٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 255 256 257 258 259 260 262 263 264 265 266 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ليس فيما حرم شفاء 3
2 السعوط 4
3 ذات لجنب 6
4 الكحل 9
5 الحبة السوداء 12
6 السنا 14
7 التلبينة والحساء 16
8 اغتسال المريض 19
9 اجتناب المجذوم 24
10 وأما عرق النسا 31
11 وأما كثرة أمراضه صلى الله عليه وسلم 34
12 الحناء 35
13 الذريرة 38
14 وأما أنه صلى الله عليه وسلم سحر 40
15 وأما أنه صلى الله عليه وسلم سم 45
16 وأما أنه صلى الله عليه وسلم رقى 48
17 وأما أنه صلى الله عليه وسلم احتجم 56
18 وأما الكي والسعوط 62
19 وأما الحناء 64
20 وأما السفرجل 64
21 فصل في ذكر حركات رسول الله صلى الله عليه وسلم وسكونه 66
22 وأما عمله صلى الله عليه وسلم في بيته 66
23 وأما ما يقوله إذا دخل بيته صلى الله عليه وسلم 67
24 وأما ما يقوله إذا خرج من بيته صلى الله عليه وسلم 68
25 وأما مشيه صلى الله عليه وسلم 72
26 وأما نومه صلى الله عليه وسلم 80
27 وأما ما يقوله صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ 89
28 وأما أن قلبه صلى الله عليه وسلم لا ينام 90
29 وأما مناماته عليه السلام 92
30 فصل في ذكر صديق رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل النبوة 139
31 ذكر أنه صلى الله عليه وسلم كان يحسن العوم في الماء صلى الله عليه وسلم 143
32 ذكر شريك رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعث 145
33 فصل في ذكر سفره صلى الله عليه وسلم 150
34 أما يوم سفره صلى الله عليه وسلم 150
35 وأما ما يقوله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسافرا 153
36 وأما ما يقوله صلى الله عليه وسلم إذا علا على شئ 158
37 وأما كيف سيره صلى الله عليه وسلم 161
38 وأما ما يقوله صلى الله عليه وسلم ويعمله إذا نزل منزلا 163
39 وأما ما يقوله صلى الله عليه وسلم في السحر 164
40 ذكر ما يقوله صلى الله عليه وسلم إذا رأى قرية 165
41 ذكر تنفله صلى الله عليه وسلم على الراحلة 166
42 وأما ما يقول إذا رجع من سفره صلى الله عليه وسلم 167
43 وأما ما يصنع إذا قدم من سفر صلى الله عليه وسلم 169
44 وأما كونه لا يطرق أهله ليلا 171
45 فصل في الأماكن التي حلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى الرحلة النبوية 174
46 وأما سفره صلى الله عليه وسلم مع عمه 174
47 وأما سفره صلى الله عليه وسلم في تجارة خديجة رضى الله تعالى عنها 186
48 وأما الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إلى السماوات العلى ورؤيته الآيات ربه الكبرى 190
49 فصل جامع في ذكر حديث الإسراء والمعراج 214
50 فأما رواية حديث الإسراء عن النبي صلى الله عليه وسلم 214
51 فصل جامع في معراج النبي صلى الله عليه وسلم 283
52 فصل في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لله عز وجل ليلة الإسراء 302
53 فصل في سفر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف 305
54 فصل في ذكر خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عكاظ، ومجنة وذى المجاز 309
55 فصل في ذكر هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة 316
56 فصل في ذكر غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم 330
57 غزوة الأبواء 332
58 غزوة بواط 334
59 غزوة بدر الأولى 336
60 غزوة ذي العشيرة 337
61 غزوة بدر الكبرى 339
62 غزوة بني قينقاع 346
63 غزوة السويق 348
64 غزوة قراره الكدر 350
65 غزوة ذي أمر، وهي غزوة غطفان 352
66 غزوة نجران 354
67 غزوة أحد 355
68 غزوة حمراء الأسد 357
69 غزوة بني النضير 359
70 غزوة بدر الموعد 362
71 غزوة ذات الرقاع 363
72 غزوة دومة الجندل 367
73 غزوة المريسيع 369
74 غزوة الخندق 372
75 غزوة بني قريظة 376
76 غزوة بني لحيان 379
77 غزوة الغابة 380
78 غزوة خيبر 382
79 عزوة الفتح 384
80 غزوة حنين 388
81 غزوة تبوك 391