إمتاع الأسماع - المقريزي - ج ٣ - الصفحة ٧٢
فأما حديث ابن عباس رضي الله عنه فذكره من طريق قاسم بن أصبغ قال:
حدثنا أحمد بن زهير بن حرب، حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن الحرث، ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة: حدثنا وكيع عن سفيان عن عبد الرحمن، ومن طريق قاسم: حدثنا أحمد بن زهير، وحدثنا سعيد بن عبد الحميد بن جعفر، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن عبد الرحمن بن الحرث.
قال كاتبه: وخرجه الترمذي من حديث هناد: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن عبد الرحمن بن الحرث بن عياش بن أبي ربيعة عن حكيم بن حكيم - وهو ابن عباد بن حنيف - أخبرني نافع بن جبير بن مطعم قال: أخبرني ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أمني جبريل عليه السلام عند البيت مرتين، فصلى الظهر في الأولى منهما حين كان الفئ مثل الشراك، ثم صلى العصر حين (كان) (1) (ظل) (2) كل شئ (مثله) (3)، ثم صلى المغرب حين وجبت الشمس وأفطر الصائم، ثم صلى العشاء حين غاب الشفق، ثم صلى الفجر حين برق (4) وحرم الطعام على الصائم، وصلى المرة الثانية الظهر حين كان ظل كل شئ مثله لوقت العصر بالأمس، ثم صلى العصر حين كان ظل كل شئ مثليه، ثم صلى المغرب لوقته الأول، ثم صلى العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل، ثم صلى الصبح حين أسفرت الأرض، ثم التفت إلى جبريل فقال: يا محمد، هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت (فيما) (5) بين هذين الوقتين (6).

(١) تكملة من رواية الترمذي.
(٢) زيادة ليست في رواية الترمذي.
(٣) تصويب من رواية الترمذي.
(٤) في رواية الترمذي: " حين برق الفجر ".
(٥) في (خ): " ما "، والتصويب من الترمذي.
(٦) قال أبو عيسى: " وفي الباب عن أبي هريرة، وبريدة، وأبي موسى، وأبي مسعود الأنصاري، وأبي سعيد، وجابر وعمرو بن حزم، والبراء، وأنس.
هذا الحديث أخرجه الترمذي في أبواب الصلاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في مواقيت الصلاة، حديث رقم (١٤٩)، قوله: " عن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة "، قال في التقريب: عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي، أبو الحارث المدني، صدوق له أوهام.
قوله: " عن حكيم وهو ابن بعاد بن حنيف "، الأنصاري الأوسي، صدوق. قاله الحافظ، وذكره ابن حبان في الثقات، قاله الخزرجي.....
قوله: " قال: أخبرني نافع بن جبير بن مطعم "، النوفلي أبو محمد أو أبو عبد الله المدني، ثقة فاضل من الثانية، مات سنة (٩٩) تسع وتسعين، وهو من رجال الكتب الستة.
قوله: " أمني جبريل عند البيت "، أي عند بيت الله، وفي رواية في (الأم) للشافعي رضي الله تعالى عنه: " عند باب الكعبة ".
قوله: " مرتين "، أي في يومين ليعرفني كيفية الصلاة وأوقاتها.
قوله: " فصلى الظهر في الأولى منهما "، أي المرة الأولى من المرتين، قال الحافظ في الفتح: بين ابن إسحاق في المغازي أن ذلك كان صبيحة الليلة التي فرضت فيها الصلاة، وهي ليلة الإسراء، قال ابن إسحاق: وحدثني عتبة بن مسلم عن نافع بن جبير، وقال عبد الرزاق: عن ابن جريج قال:
قال نافع بن جبير وغيره: لما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم من الليلة التي أسري به، لم يرعه إلا جبريل، نزل حين زالت الشمس، ولذلك سميت الأولى - أي صلاة الظهر - فأمر فصيح بأصحابه: الصلاة جامعة، فاجتمعوا، فصلى به جبريل، وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بالناس... فذكر الحديث.
قوله: " حين كان الفئ "، هو ظل الشمس بعد الزوال.
قوله: " مثل الشراك "، أي قدره، قال ابن الأثير: الشراك أحد سيور النعل التي تكون على وجهها. وفي رواية أبي داود: " حين زالت الشمس وكانت قدر الشراك ". قال ابن الأثير: قدره هاهنا ليس على معنى التحديث، ولكن زوال الشمس لا يبين إلا بأقل ما يرى من الظل، وكان حينئذ بمكة هذا القدر، والظل يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، وإنما يتبين ذلك في مثل مكة من البلاد التي يقل فيها الظل، فإذا كان طول النهار واستوت الشمس فوق الكعبة، لم ير بشئ من جوانبها ظل، فكل بلد يكون أقرب إلى خط الاستواء ومعدل النهار يكون الظل فيه أقصر، وكل ما بعد عنهما إلى جهة الشمال يكون الظل أطول.
قوله: " ثم صلى العصر حين كان كل شئ مثله ظل "، أي سوي ظله الذي كان عند الزوال، يدل على ما رواه النسائي من حديث جابر بلفظ: " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الظهر حين زالت الشمس، وكان الفئ قدر الشراك وظل الرجل ".
قوله: " ثم صلى المغرب حين وجبت الشمس، وأفطر الصائم "، أي غربت الشمس ودخل وقت إفطار الصائم، بأن غابت الشمس، فهو عطف تفسير.
قوله: " ثم صلى العشاء حين غاب الشفق "، أي الأحمر - على الأشهر - قاله القاري، وقال النووي في شرح مسلم: المراد بالشفق الأحمر، هذا مذهب الشافعي، وجمهور الفقهاء، وأهل اللغة، وقال أبو حنيفة والمزني رضي الله عنهما وطائفة من الفقهاء وأهل اللغة: المراد الأبيض، والأول هو الراجح المختار. (انتهى كلام النووي).
قال المباركفوري: وإليه ذهب صاحبا أبي حنيفة، أبو يوسف ومحمد، وقالا: الشفق هو الحمرة، وهو رواية عن أبي حنيفة، بل قال في (النهر): وإليه رجع الإمام، وقال في (الدر): الشفق هو الحمرة عندهما، وبه قالت الثلاثة، وإليه رجع الإمام كما هو في شروح (المجمع) وغيره، فكان هو المذهب، قال صدر الشريعة: وبه يفتى، كذا في حاشية النسخة الأحمدية، ولا شك في أن المذهب الراجح المختار، هو أن الشفق الحمرة، يدل عليه حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الشفق الحمرة "، رواه الدارقطني، وصححه ابن خزيمة، وغيره، ووقفه على ابن عمر، كذا في (بلوغ المرام).
قال محمد بن إسماعيل الأمير في (سبل السلام): البحث لغوي، والمرجع فيه إلى أهل اللغة، وابن عمر من أهل اللغة، ومخ العرب، فكلامه حجة، وإن كان موقوفا عليه.
ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمرو عند مسلم: وقت المغرب ما لم يسقط ثور الشفق، قال الجزري في (النهاية): أي انتشاره وثوران حمرته، من ثار الشئ يثور إذا انتشر وارتفع... وفي (البحر الرائق) من كتب الحنفية، قال الشمني: هو ثوران حمرته... ووقع في رواية أبي داود: وقت المغرب ما لم يسقط فور الشفق، قال الخطابي: هو بقية حمرة الشفق في الأفق، وسمي فورا بفورانه وسطوعه، وروي أيضا ثور الشفق، وهو ثوران حمرته.. وقال الجزري في (النهاية): هو بقية حمرة الشمس في الأفق الغربي، سمي فورا لسطوعه وحمرته، ويروى بالثاء، وقد تقدم.
قوله: " ثم صلى الفجر حين برق الفجر "، أي طلع، " وصلى المرة الثانية " أي في اليوم الثاني، " حين كأن ظل كل شئ مثله لوقت العصر بالأمس "، أي فرغ من الظهر حينئذ كما شرع في العصر في اليوم الأول، حينئذ قال الشافعي رضي الله تعالى عنه: وبه يندفع اشتراكهما في وقت واحد، على ما زعمه جماعة، ويدل له خبر مسلم: وقت الظهر ما لم يحضر العصر.
قوله: " ثم صلى المغرب لوقته الأول "، استدل به من قال: إن لصلاة المغرب وقتا واحدا، وهو عقب غروب الشمس، بقدر ما يتطهر، ويستر عورته، ويؤذن، ويقيم، فإن أخر الدخول في الصلاة عن هذا الوقت أثم وصارت قضاءا، وهو قول الشافعية.
قال الإمام النووي: وذهب المحققون من أصحابنا، إلى ترجيح القول بجواز تأخيرها، ما لم يغب الشفق، وأنه يجوز ابتداؤها في كل وقت من ذلك، ولا يأثم بتأخيرها عن أول الوقت، وهذا هو الصحيح الصواب، الذي لا يجوز غيره. والجواب عن حديث جبريل عليه السلام، حين صلى المغرب في اليومين حين غربت الشمس، من ثلاثة أوجه:
الأول: أنه اقتصر على بيان وقت الاختيار، ولم يستوعب وقت الجواز، وهذا جار في الصلوات سوى الظهر.
والثاني: أنه متقدم في أول الأمر بمكة، وأحاديث امتداد وقت المغرب إلى غروب الشفق متأخرة في أواخر الأمر بالمدينة، فوجب اعتمادها.
والثالث: أن هذه الأحاديث أصح إسنادا من حديث بيان جبريل عليه السلام فوجب تقديمها.
قوله: " فقال: يا محمد هذا "، أي ما ذكر من الأوقات الخمسة، " وقت الأنبياء من قبلك "، قال ابن العربي في (عارضه الأحوذي): ظاهره يوهم أن هذه الصلوات في هذه الأوقات كانت مشروعة لمن قبلهم من الأنبياء، ليس كذلك، وإنما معناه: أن هذا وقتك المشروع لك، يعني الوقت الموسع، المحدد بطرفين، الأول والآخر، وقوله: وقت الأنبياء من قبلك، يعني ومثله وقت الأنبياء قبلك، أي صلاتهم كانت واسعة الوقت، وذات طرفين، وإلا فلم تكن هذه الصلوات على هذا الميقات إلا لهذه الأمة خاصة، وإن غيرهم قد شاركهم في بعضها. وقد روى أبو داود في حديث العشاء:
أعتموا بهذه الصلاة فإنكم قد فضلتم بها على سائر الأمم، وكذا قال ابن سيد الناس، وقال: يريد في التوسعة عليهم في أن الوقت أولا وآخرا، لا أن الأوقات هي أوقاتهم بعينها. كذا في (قوت المغتذي).
قوله: " والوقت فيما بين هذين الوقتين "، قال ابن سيد الناس: يريد هذين وما بينهما، أما إرادته أن الوقتين اللذين أوقع فيهما الصلاة وقت لها، فتبين بفعله، وأما الإعلام ما بينهما أيضا وقت، فبينه قوله صلى الله عليه وسلم.
(٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 67 68 69 70 71 72 75 76 77 78 79 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ذكر مجيء الملك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم برسالات ربه تعالى 3
2 ذكر الاختلاف في أول سورة من القرآن أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم 3
3 ذكر الاختلاف في شق صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم، متى كان وأين وقع؟ 32
4 ذكر مجيء جبرئيل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الصورة التي خلقه الله عليها 39
5 ذكر كيفية إلقاء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم 45
6 ذكر تعليم جبرئيل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الوضوء والصلاة 53
7 وأما إقامة جبريل عليه السلام أوقات الصلاة للنبي صلى الله عليه وسلم وأنه أمه فيها 60
8 ذكر الجهة التي كان صلى الله عليه وسلم يستقبلها في صلاته 81
9 ذكر من قرن برسول الله صلى الله عليه وسلم من الملائكة 94
10 فصل في ذكر الفضائل التي خص الله تعالى بها نبيه ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم وشرفه بها على جميع الأنبياء 95
11 فأما أنه صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين 96
12 وأما مخاطبة الله له بالنبوة والرسالة، ومخاطبة من عداه من الأنبياء باسمه 105
13 وأما دفع الله عن الرسول صلى الله عليه وسلم ما قرفه به المكذبون، ونهى الله تعالى العباد عن مخاطبته باسمه 108
14 وأما دفع الله تعالى عن النبي صلى الله عليه وسلم ما قرفه المكذبون له 111
15 وأما مغفرة ذنبه من غير ذكره تعالى له خطأ ولا زلة 112
16 وأما أخذ الله تعالى الميثاق على جميع الأنبياء أن يؤمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وينصروه إن أدركوه 116
17 وأما عموم رسالته إلى الناس جميعا وفرض الإيمان به على الكافة، وأنه لا ينجو أحد من النار حتى يؤمن به صلى الله عليه وسلم 122
18 وأما فرض طاعته، فإذا وجب الإيمان به وتصديقه بما جاء به وجبت طاعته لأن ذلك مما أتى به 132
19 وأما وجوب اتباعه وامتثال سنته والاقتداء بهديه صلى الله عليه وسلم 145
20 وأما أمر الكافة بالتأسي به قولا وفعلا 154
21 وأما اقتران اسم النبي صلى الله عليه وسلم باسم الله تعالى 167
22 وأما تقدم نبوته صلى الله عليه وسلم قبل تمام خلق آدم عليه السلام 169
23 ذكر التنويه بذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم من زمن آدم عليه السلام 187
24 وأما شرف أصله، وتكريم حسبه، وطيب مولده صلى الله عليه وسلم 204
25 وأما أن أسماءه خير الأسماء 216
26 وأما قسم الله تعالى بحياته صلى الله عليه وسلم 221
27 وأما تفرده بالسيادة يوم القيامة على جميع الأنبياء والرسل وأن آدم ومن دونه تحت لوائه صلى الله عليه وسلم 224
28 فصل في ذكر المفاضلة بين المصطفى وبين إبراهيم الخليل صلوات الله عليهما وسلامه 241
29 وأما اختصاصه صلى الله عليه وسلم بالشفاعة العظمى يوم الفزع الأكبر 263
30 ذكر المقام المحمود الذي وعد الله تعالى به الرسول صلى الله عليه وسلم 288
31 تنبيه وإرشاد 292
32 إيضاح وتبيان 295
33 وأما حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الكوثر 297
34 وأما كثرة أتباعه صلى الله عليه وسلم 309
35 وأما الخمس التي أعطيها صلى الله عليه وسلم 311
36 وأما أنه بعث بجوامع الكلم وأوتي مفاتيح خزان الأرض 315
37 وأما تأييده بقتال الملائكة معه 319
38 وأما أنه خاتم الأنبياء 334
39 وأما أن أمته خير الأمم 338
40 وأما ذكره صلى الله عليه وسلم في كتب الأنبياء وصحفهم وإخبار العلماء بظهوره حتى كانت الأمم تنتظر بعثته صلى الله عليه وسلم 345
41 ثم جاءني محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم 378
42 وأوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم 379
43 ومن إعلامه في التوراة 385
44 ومن إعلامه في التوراة أيضا 386
45 ومن ذكر شعيا له 387
46 ومن ذكر شعيا له 388
47 وفي حكاية يوحنا عن المسيح 390
48 وفي إنجيل متى 391
49 وذكر شعيا طريق مكة فقال: 394
50 وأما سماع الأخبار بنبوته من الجن وأجواف الأصنام ومن الكهان 396