إمتاع الأسماع - المقريزي - ج ٣ - الصفحة ٢٧٣
ثم يقول: انظروا من وجدتم في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجوه، فيخرجون منها حمما قد امتحشوا، فيلقون في نهر الحياة أو الحيا، فينبتون فيه كما تبنت الحبة إلى جانب السيل، ألم تروها كيف تخرج صفراء ملتوية؟ هذا لفظ مسلم، وعند البخاري: " فيخرجون منها قد اسودوا، وقال: " من خردل من خير " (1).
وأخرجاه من حديث وهيب، حدثنا حجاج بن الشاعر، حدثنا عمرو ابن عون، أخبرنا خالد، كلاهما عن عمرو بن يحيى بهذا الإسناد [وقالا] (2):
فيلقون في نهر يقال له: الحياة، ولم يشكا، وفي حديث خالد: كما تنبت الغثاءة في جانب السيل، وفي حديث وهيب: كما تنبت الحبة في حمئة أو حميلة السيل (3)، [ذكره البخاري في باب صفة الجنة والنار، وذكره مسلم في باب إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النار].
وخرج مسلم من حدث بشر بن المفضل عن أبي مسلمة عن أبي نصرة عن أبي سعيد [الخدري] (4) قال: قال رسول الله عليه وسلم: أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم - أو قال:
- بخطاياهم - فأماتهم [الله] (4) إماتة حتى إذا كانوا فحما أذن بالشفاعة (5) فجئ بهم ضبائر ضبائر فبثوا على أنهار الجنة، ثم قيل (6): يا أهل الجنة أفيضوا عليهم فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل، فقال رجل من القوم: كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان بالبادية (7).

(١) رواه البخاري في الرقاق، باب صفة الجنة والنار حديث رقم (٦٥٦٠)، ومسلم في الإيمان باب (٨٤) أدني أهل الجنة منزلة فيها.
(٢) في (خ): " وقال ".
(٣) ذكره مسلم في كتاب الإيمان باب (٨٢) إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النار حديث رقم (٣٠٥)، والبخاري كما في تعليق (٧).
(٤) زيادة من (خ).
(٥) في (خ): " في الشفاعة ".
(٦) في (خ): " فقيل ".
(٧) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب (82) إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النار، حديث رقم (304)، وقوله صلى الله عليه وسلم: " فأماتهم "، أي أماتهم إماتة، وحذف للعلم به، وفي بعض النسخ " فأماتتهم " بتاءين، أي أماتتهم النار....
وأما معنى الحديث، فالظاهر أن الكفار الذين هم أهل النار والمستحقون للخلود لا يموتون فيها ولا يحيون حياة ينتفعون بها ويستريحون معها، كما قال الله تعالى: (لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها) [36: فاطر]، وكما قال تعالى: (ثم لا يموت فيها ولا يحيى)، [13:
الأعلى، وهذا جار على مذهب أهل الحق أن نعيم أهل الجنة دائم، وأن عذاب أهل الخلود في النار دائم.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: " ولكن ناس أصابتهم النار... إلخ " فمعناه أن المذنبين من المؤمنين يميتهم الله تعالى إماتة بعد أن يعذبوا المدة التي أرادها الله تعالى، وهذه الإماتة إماتة حقيقية يذهب معها الإحساس، ويكون عذابهم على قدر ذنوبهم، ثم يميتهم، ثم يكونون محبوسين في النار من غير إحساس المدة التي قدرها الله تعالى، ثم يخرجون من النار موتى قد صاروا فحما، فيحملون ضبائر كما تحمل الأمتعة، ويلقون على أنهار الجنة، فيصب عليهم ماء الحياة، فيحيون وينبتون نبات الحبة في حميل السيل في سرعة نباتها وضعفها، فتحرج لضعفها صفراء ملتوية، ثم تشتد قوتهم بعد ذلك، ويصبرون إلى منازلهم وتكمل أحوالهم. فهذا هو الظاهر من لفظ الحديث ومعناه.
وحكى القاضي عياض رحمه الله فيه وجهين: أحدهما: أنها إماتة حقيقية. والثاني: ليس بموت حقيقي، ولكن يغيب عنهم إحساسهم بالآلام. قال: ويجوز أن تكون آلامهم أخف، فهذا كلام القاضي، والمختار ما قدمناه والله تعالى أعلم.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم، " ضبائر "، فكذا هو في الروايات والأصول، " ضبائر ضبائر " مكررة مرتين، وهو منصوب على الحال، وهو بفتح الضاد المعجمة، وهو جمع ضبارة، بفتح الضاد وكسرها لغتان، حكاهما القاضي عياض، صاحب (المطالع)، وغيرهما، أشهر ها الكسر، ولم يذكر الهروي وغيره إلا الكسر، ويقال فيها أيضا إضباره بكسر الهمزة، قال أهل اللغة: الضبائر جماعات في تفرقة، وروي:
" ضبارات في ضبارات ". والله تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي): 3 / 40 - 41.
(٢٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ذكر مجيء الملك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم برسالات ربه تعالى 3
2 ذكر الاختلاف في أول سورة من القرآن أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم 3
3 ذكر الاختلاف في شق صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم، متى كان وأين وقع؟ 32
4 ذكر مجيء جبرئيل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الصورة التي خلقه الله عليها 39
5 ذكر كيفية إلقاء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم 45
6 ذكر تعليم جبرئيل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الوضوء والصلاة 53
7 وأما إقامة جبريل عليه السلام أوقات الصلاة للنبي صلى الله عليه وسلم وأنه أمه فيها 60
8 ذكر الجهة التي كان صلى الله عليه وسلم يستقبلها في صلاته 81
9 ذكر من قرن برسول الله صلى الله عليه وسلم من الملائكة 94
10 فصل في ذكر الفضائل التي خص الله تعالى بها نبيه ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم وشرفه بها على جميع الأنبياء 95
11 فأما أنه صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين 96
12 وأما مخاطبة الله له بالنبوة والرسالة، ومخاطبة من عداه من الأنبياء باسمه 105
13 وأما دفع الله عن الرسول صلى الله عليه وسلم ما قرفه به المكذبون، ونهى الله تعالى العباد عن مخاطبته باسمه 108
14 وأما دفع الله تعالى عن النبي صلى الله عليه وسلم ما قرفه المكذبون له 111
15 وأما مغفرة ذنبه من غير ذكره تعالى له خطأ ولا زلة 112
16 وأما أخذ الله تعالى الميثاق على جميع الأنبياء أن يؤمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وينصروه إن أدركوه 116
17 وأما عموم رسالته إلى الناس جميعا وفرض الإيمان به على الكافة، وأنه لا ينجو أحد من النار حتى يؤمن به صلى الله عليه وسلم 122
18 وأما فرض طاعته، فإذا وجب الإيمان به وتصديقه بما جاء به وجبت طاعته لأن ذلك مما أتى به 132
19 وأما وجوب اتباعه وامتثال سنته والاقتداء بهديه صلى الله عليه وسلم 145
20 وأما أمر الكافة بالتأسي به قولا وفعلا 154
21 وأما اقتران اسم النبي صلى الله عليه وسلم باسم الله تعالى 167
22 وأما تقدم نبوته صلى الله عليه وسلم قبل تمام خلق آدم عليه السلام 169
23 ذكر التنويه بذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم من زمن آدم عليه السلام 187
24 وأما شرف أصله، وتكريم حسبه، وطيب مولده صلى الله عليه وسلم 204
25 وأما أن أسماءه خير الأسماء 216
26 وأما قسم الله تعالى بحياته صلى الله عليه وسلم 221
27 وأما تفرده بالسيادة يوم القيامة على جميع الأنبياء والرسل وأن آدم ومن دونه تحت لوائه صلى الله عليه وسلم 224
28 فصل في ذكر المفاضلة بين المصطفى وبين إبراهيم الخليل صلوات الله عليهما وسلامه 241
29 وأما اختصاصه صلى الله عليه وسلم بالشفاعة العظمى يوم الفزع الأكبر 263
30 ذكر المقام المحمود الذي وعد الله تعالى به الرسول صلى الله عليه وسلم 288
31 تنبيه وإرشاد 292
32 إيضاح وتبيان 295
33 وأما حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الكوثر 297
34 وأما كثرة أتباعه صلى الله عليه وسلم 309
35 وأما الخمس التي أعطيها صلى الله عليه وسلم 311
36 وأما أنه بعث بجوامع الكلم وأوتي مفاتيح خزان الأرض 315
37 وأما تأييده بقتال الملائكة معه 319
38 وأما أنه خاتم الأنبياء 334
39 وأما أن أمته خير الأمم 338
40 وأما ذكره صلى الله عليه وسلم في كتب الأنبياء وصحفهم وإخبار العلماء بظهوره حتى كانت الأمم تنتظر بعثته صلى الله عليه وسلم 345
41 ثم جاءني محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم 378
42 وأوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم 379
43 ومن إعلامه في التوراة 385
44 ومن إعلامه في التوراة أيضا 386
45 ومن ذكر شعيا له 387
46 ومن ذكر شعيا له 388
47 وفي حكاية يوحنا عن المسيح 390
48 وفي إنجيل متى 391
49 وذكر شعيا طريق مكة فقال: 394
50 وأما سماع الأخبار بنبوته من الجن وأجواف الأصنام ومن الكهان 396