الحقيقة هو الله تعالى القاهر، فأضاف ذلك إلى الرسول عليه السلام، إذ جرى ذلك على يده بتمكين الله تعالى له، وتسليطه على من كذبه وجحده، وهذه بشارة قد تحقق صدقها فيه لظهور المسلمين وعلوهم على من خالفهم، فتحققت الدلالة ولله الحمد.
ومعنى الحاشر على ما روى الخبر: أنه الذي يحشر الناس على قدمه، أي لا نبوة بعده، وأن شريعته قائمة ثابتة إلى قيام الساعة، اهتدى بها من اهتدى، أو ضل عنها من ضل.
ومعنى نبي الرحمة مثل قوله: إنما أنا رحمة مهداه، فبعثه من الله رحمة، هدى بها من شاء رحمته وهداه، وسمي كالمطر المسمى رحمة، لأن الله يرحم عباده بالمطر فيسوق إليهم بالمطر الخيرات، ويوسع عليهم بها النبات والأقوات، ولا يوجب هذا الاسم أن الله رحم به المدعوين من عباده، وذلك إنما يجري الله على لسانه من الدعاء والبيان، وإن كان رحمة فصورته كعطية من قبلها فاز بنفعها، ومن تركها وردها حرم نفعها ووجب عليه العقاب.
قال كاتبه ويؤيد هذا ما رواه البيهقي من حديث السعودي عن سعيد بن أبي سعيد عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾ (1)، قال من آمن بالله ورسوله تمت له الرحمة في الدنيا والآخرة، ومن لم يؤمن بالله ورسوله عوفي مما كان يصيب الأمم في عاجل الدنيا من العذاب من الخسف والمسخ والقذف، فتلك الرحمة في الدنيا.
قال أبو نعيم: ومعنى نبي الرحمة: فهو إعلام منه يكون بعده وفي زمانه من الحروب والجهاد، والقتل والسبي. ومعنى الرحمة في إرساله: أن الله تعالى لم يعجل معجزته ودلائله كدلائل الماضين قبله من الأنبياء، وذلك أن الماضين من الأمم كانوا يقترحون على أنبيائهم ويتحكمون عليهم بالآيات على حسب شهوتهم واقتراحهم، فكان دأب الله فيهم الاصطلام إذا لم يؤمنوا بها كقوله لما اقترحوا على عيسى المائدة: (قال