والله أحب أن أقتلك. فحمى عمرو عند ذلك فاقتحم عن فرسه، فعقره، وضرب وجهه، ثم أقبل على علي فتنازلا وتجاولا فقتله علي رضي الله عنه وخرجت خيلهم منهزمة حتى اقتحمت من الخندق هاربة. قال ابن إسحاق وقال علي بن أبي طالب في ذلك:
نصر الحجارة من سفاهة رأيه * ونصرت رب محمد بصواب (1) فصدرت حين تركته متجدلا * كالجذع بين دكادك وروابي وعففت عن أثوابه ولو أنني * كنت المقطر بزنى أثوابي لا تحسبن الله خاذل دينه * ونبيه يا معشر الأحزاب قال ابن هشام: وأكثر أهل العلم بالشعر يشك فيها لعلي. قال ابن هشام: وألقى عكرمة رمحه يومئذ وهو منهزم عن عمرو فقال في ذلك حسان بن ثابت:
فر وألقى لنا رمحه * لعلك عكرم لم تفعل ووليت تعدو كعدو الظليم * ما أن يحور عن المعدل (2) ولم تلو ظهرك مستأنسا * كأن قفاك قفا فرعل (3) قال ابن هشام: الفراعل صغار الضباع. وذكر الحافظ البيهقي (4) في دلائل النبوة: عن ابن إسحاق في موضع آخر من السيرة قال: خرج عمرو بن عبد ود وهو مقنع بالحديد فنادى: من يبارز؟ فقام علي بن أبي طالب فقال: أنا لها يا نبي الله. فقال إنه عمرو، اجلس. ثم نادى عمرو: ألا رجل يبرز؟ فجعل يؤنبهم ويقول: أين جنتكم التي تزعمون أنه من قتل منكم دخلها أفلا تبرزون إلي رجلا؟ فقام علي فقال: أنا يا رسول الله؟ فقال: اجلس. ثم نادى الثالثة، فقال:
ولقد بححت من النداء * لجمعهم هل من مبارز ووقفت إذ جبن المشجع * موقف القرن المناجز ولذاك إني لم أزل * متسرعا قبل الهزاهز إن الشجاعة في الفتى * والجود من خير الغرائز قال فقام علي رضي الله عنه فقال: يا رسول الله أنا. فقال: إنه عمرو، فقال: وإن كان عمرا. فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فمشى إليه، حتى أتى وهو يقول:
لا تعجلن فقد أتاك * مجيب صوتك غير عاجز في نية وبصيرة * والصدق منجى كل فائز