رسول الله صلى الله عليه وسلم " الحرب خدعة وعسى أن يصنع الله لنا " فأتى نعيم غطفان وقريشا فأعلمهم، فبادر القوم وأرسلوا إلى بني قريظة عكرمة وجماعة معه واتفق ذلك ليلة السبت، يطلبون منهم أن يخرجوا للقتال معهم فاعتلت اليهود بالسبت، ثم أيضا طلبوا الرهن توثقة فأوقع الله بينهم واختلفوا.
قلت: وقد يحتمل أن تكون قريظة لما يئسوا من انتظام أمرهم مع قريش وغطفان بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدون منه الصلح على أن يرد بني النضير إلى المدينة. والله أعلم.
قال ابن إسحاق: فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اختلف من أمرهم، وما فرق الله من جمهم، دعا حذيفة بن اليمان، فبعثه إليهم لينظر ما فعل القوم ليلا. قال ابن إسحاق: فحدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال: قال رجل من أهل الكوفة لحذيفة بن اليمان: يا أبا عبد الله، أرأيتم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبتموه؟ قال: نعم يا ابن أخي، قال: فكيف كنتم تصنعون؟ قال: والله لقد كنا نجتهد، قال: والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض، ولحملناه على أعناقنا، قال: فقال حذيفة: يا ابن أخي والله لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هويا من الليل ثم التفت إلينا فقال: من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع - فشرط له رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجعة - أسأل الله أن يكون رفيقي في الجنة، فما قام رجل من شدة الخوف وشدة الجوع والبرد، فلما لم يقم أحد دعاني، فلم يكن لي بد من القيام حين دعاني، فقال: يا حذيفة اذهب فادخل في القوم، فانظر ماذا يفعلون ولا تحدثن شيئا حتى تأتينا، قال:
فذهبت فدخلت في القوم والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل، لا تقر لهم قدرا ولا نارا ولا بناء، فقام أبو سفيان فقال: يا معشر قريش، لينظر امرؤ من جليسه؟ قال حذيفة: فأخذت بيد الرجل الذي كان إلى جنبي، فقلت: من أنت؟ قال فلان ابن فلان (1)، ثم قال [أبو سفيان]:
يا معشر قريش، إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام، لقد هلك الكراع والخف، وأخلفتنا بنو قريظة وبلغنا عنهم الذي نكره، ولقينا من شدة الريح ما ترون، ما تطمئن لنا قدر، ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا فإني مرتحل، ثم قام إلى جمله وهو معقول، فجلس عليه، ثم ضربه فوثب به على ثلاث، فما أطلق عقاله إلا وهو قائم، ولولا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي: لا تحدث شيئا حتى تأتيني لقتلته بسهم. قال حذيفة: فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم يصلي في مرط لبعض نسائه مرحل (2) فلما رآني أدخلني إلى رجليه وطرح علي طرف المرط، ثم ركع وسجد وإني لفيه، فلما سلم أخبرته الخبر. وسمعت غطفان بما فعلت قريش، فانشمروا راجعين إلى بلادهم، وهذا منقطع من هذا الوجه. وقد روى هذا الحديث مسلم بن الحجاج في صحيحه: