آيات الله وتصديق رسوله مع ما أيد به من الآيات العظيمة الباهرة والحجج البليغة القاهرة التي أراهم الله إياها عيانا وجعلها عليهم دليلا وبرهانا * وكلما شاهدوا آية وعاينوها وجهدهم وأضنكهم حلفوا وعاهدوا موسى لئن كشف عنهم هذه ليؤمنن به وليرسلن معه من هو من حزبه فكلما رفعت عنهم تلك الآية عادوا إلى شر مما كانوا عليه وأعرضوا عما جاءهم به من الحق ولم يلتفتوا إليه فيرسل الله عليهم آية أخرى هي أشد مما كانت قبلها وأقوى فيقولون فيكذبون. ويعدون ولا يفون لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك، ولنرسلن معك بني إسرائيل فيكشف عنهم ذلك العذاب الوبيل.
ثم يعودون إلى جهلهم العريض الطويل هذا والعظيم الحليم القدير ينظرهم، ولا يعجل عليهم، ويؤخرهم ويتقدم بالوعيد إليهم * ثم أخذهم بعد إقامة الحجة عليهم والانذار إليهم أخذ عزيز مقتدر فجعلهم عبرة ونكالا وسلفا لمن أشبههم من الكافرين ومثلا لمن اتعظ بهم من عباده المؤمنين، كما قال تبارك وتعالى وهو أصدق القائلين في سورة حم والكتاب المبين (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملائه فقال إني رسول رب العالمين. فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون. وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون. وقالوا يا أيها الساحر أدع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون. فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون. ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون. أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين. فلولا ألقى عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين. فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين. فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين) [الزخرف: 46 - 56].
يذكر تعالى إرساله عبده الكليم الكريم، إلى فرعون الخسيس اللئيم وأنه تعالى أيد رسوله بآيات بينات واضحات، تستحق أن تقابل بالتعظيم والتصديق، وأن يرتدعوا عما هم فيه من الكفر، ويرجعوا إلى الحق والصراط المستقيم، فإذا هو منها يضحكون، وبها يستهزئون وعن سبيل الله يصدون، وعن الحق، [ينصرفون] (1) فأرسل الله عليهم الآيات تترى يتبع بعضها بعضا، وكل آية أكبر من التي تتلوها، لان التوكيد أبلغ مما قبله (وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون. وقالوا يا أيها الساحر أدع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون) لم يكن لفظ الساحر في زمنهم نقصا ولا عيبا لان علماءهم في ذلك الوقت هم السحرة ولهذا خاطبوه به في حال احتياجهم إليه وضراعتهم لديه قال الله تعالى. (فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون) ثم أخبر تعالى عن تبجح فرعون بملكه وعظمة بلده وحسنها وتخرق الأنهار فيها * وهي الخلجانات التي يكسرونها أمام زيادة النيل ثم تبجح بنفسه وحليته وأخذ يتنقص رسول الله موسى عليه السلام ويزدريه بكونه (لا يكاد يبين) يعني كلامه بسبب ما كان في لسانه من بقية تلك اللثغة التي هي شرف له وكمال