عن الشعبي، عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني " (1). وهذا الذي يقطع به ويعلم من الدين علم الضرورة. وقد دلت عليه هذه الآية الكريمة أن الأنبياء كلهم لو فرض أنهم أحياء مكلفون في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكانوا كلهم أتباعا له، وتحت أوامره، وفي عموم شرعه. كما أنه صلوات وسلامه عليه لما اجتمع معهم ليلة الاسراء، رفع فوقهم كلهم، ولما هبطوا معه إلى بيت المقدس وحانت الصلاة، أمره جبريل عن أمر الله أن يؤمهم، فصلى بهم في محل ولايتهم ودار إقامتهم فدل على أنه الامام الأعظم، والرسول الخاتم المبجل المقدم، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين. فإذا علم هذا - وهو معلوم عند كل مؤمن - علم أنه لو كان الخضر حيا لكان من جملة أمة محمد صلى الله عليه وسلم وممن يقتدي بشرعه لا يسعه إلا ذلك * هذا عيسى بن مريم عليه السلام إذا نزل في آخر الزمان بحكم بهذه الشريعة المطهرة، لا يخرج منها ولا يحيد عنها، وهو أحد أولى العزم الخمسة (2) المرسلين وخاتم أنبياء بني إسرائيل والمعلوم أن الخضر لم ينقل بسند صحيح ولا حسن تسكن النفس إليه، أنه اجتمع برسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم واحد، ولم يشهد معه قتالا في مشهد من المشاهد. وهذا يوم بدر يقول الصادق المصدوق فيما دعا به لربه عز وجل، واستنصره واستفتحه على من كفره: " اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد بعدها في الأرض " (3) وتلك العصابة كان تحتها سادة المسلمين يومئذ، وسادة الملائكة حتى جبريل عليه السلام، كما قال حسان بن ثابت في قصيدة له في بيت يقال إنه أفخر بيت قالته العرب:
وببئر بدر إذ يرد وجوههم * جبريل تحت لوائنا ومحمد (4) فلو كان الخضر حيا لكان وقوفه تحت هذه الراية أشرف مقاماته وأعظم غزواته. قال القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين بن الفراء الحنبلي: سئل بعض أصحابنا عن الخضر هل مات؟
فقال: نعم. قال: وبلغني مثل هذا عن أبي طاهر بن الغباري قال: وكان يحتج بأنه لو كان حيا لجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. نقله ابن الجوزي في العجالة. فإن قيل: فهل يقال إنه كان حاضرا في هذه المواطن كلها ولكن لم يكن أحد يراه. فالجواب أن الأصل عدم هذا الاحتمال البعيد الذي يلزم منه تخصيص العموميات بمجرد التوهمات. ثم ما الحامل له على هذا الاختفاء وظهوره أعظم لاجره وأعلى في مرتبته وأظهر بمعجزته، ثم لو كان باقيا بعده لكان تبليغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأحاديث النبوية والآيات القرآنية وإنكاره لما وقع من الأحاديث المكذوبة والروايات المقلوبة والآراء البدعية