البداية والنهاية - ابن كثير - ج ١ - الصفحة ٣١٢
بيوتكم قبلة) قيل مساجد، وقيل معناه كثرة الصلاة فيها، قاله مجاهد وأبو مالك وإبراهيم النخعي والربيع والضحاك وزيد بن أسلم وابنه عبد الرحمن وغيرهم. ومعناه على هذا الاستعانة على ما هم فيه من الضر والشدة والضيق بكثرة الصلاة كما قال تعالى (واستعينوا بالصبر والصلاة) [البقرة: 45] وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى. وقيل معناه أنهم لم يكونوا حينئذ يقدرون على إظهار عبادتهم في مجتمعاتهم ومعابدهم فأمروا أن يصلوا في بيوتهم عوضا عما فاتهم من إظهار شعار الدين الحق في ذلك الزمان الذي اقتضى حالهم اخفاءه خوفا من فرعون وملائه. والمعنى الأول أقوى لقوله (وبشر المؤمنين) وإن كان لا ينافي الثاني أيضا والله أعلم.
وقال سعيد بن جبير (واجعلوا بيوتكم قبلة) أي متقابلة (وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم. قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون) [يونس: 88 - 89] هذه دعوة عظيمة دعا بها كليم الله موسى على عدو الله فرعون غضبا عليه لتكبره عن اتباع الحق، وصده عن سبيل الله، ومعاندته وعتوه وتمرده واستمراره على الباطل، ومكابرته الحق الواضح الجلي الحسي والمعنوي والبرهان القطعي فقال (ربنا إنك آتيت فرعون وملأه) يعني قومه من القبط ومن كان على ملته ودان بدينه (زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك) أي وهذا يغتر به من يعظم أمر الدنيا، فيحسب الجاهل أنهم على شئ لكون هذه الأموال وهذه الزينة من اللباس والمراكب الحسنة الهنية، والدور الأنيقة، والقصور المبنية، والمآكل الشهية، والمناظر البهية، والملك العزيز، والتمكين والجاه العريض في الدنيا لا الدين (ربنا اطمس على أموالهم) قال ابن عباس ومجاهد أي أهلكها [حتى لا ترى] (3) وقال أبو العالية والربيع بن أنس والضحاك اجعلها حجارة منقوشة كهيئة ما كانت، وقال قتادة: بلغنا أن زروعهم [وأموالهم] (1) صارت حجارة. وقال محمد بن كعب: جعل سكرهم حجارة وقال أيضا صارت أموالهم كلها حجارة. ذكر ذلك لعمر بن عبد العزيز فقال عمر ابن عبد العزيز لغلام له: قم ايتني بكيس، فجاءه بكيس (2) فإذا فيه حمص وبيض قد حول حجارة * رواه ابن أبي حاتم. وقوله (واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم) [يونس: 88] قال ابن عباس: أي أطبع عليها (3)، وهذه دعوة غضب لله تعالى، ولدينه، ولبراهينه. فاستجاب الله تعالى لها وحققها وتقبلها، كما استجاب لنوح في قومه حيث قال (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا. إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا) [نوح: 26 - 27]

(1) ما بين معكوفين زيادة من القرطبي.
(2) في الطبري: بخريطة; والخريطة: كيس.
(3) أطبع عليها حتى لا تنشرح للايمان، وبمعنى آخر أي أمنعهم الايمان.
(٣١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 307 308 309 310 311 312 313 314 315 316 317 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المنهاج في تأليف الكتاب 5
2 فصل 9
3 فصل 10
4 وأما الكرسي 14
5 ذكر اللوح المحفوظ 15
6 ما ورد في خلق السماوات والأرض وما بينهما 16
7 ما جاء في سبع أرضين 20
8 فصل في البحار والأنهار 23
9 فصل 29
10 ذكر ما يتعلق بخلق السماوات وما فيهن من الآيات 30
11 أ - الاجماع على أن السماوات مستديرة ب - حديث سب الدهر ج - اليونانيون ودمشق د - هاروت وماروت المجرة وقوس قزح 40
12 باب ذكر خلق الملائكة وصفاتهم 41
13 فصل 52
14 فصل 60
15 باب خلق الجان وقصة الشيطان 61
16 باب خلق آدم عليه السلام 74
17 احتجاج آدم وموسى عليهما السلام 91
18 الأحاديث الواردة في خلق آدم 95
19 قصة قابيل وهابيل 103
20 وفاة آدم ووصيته إلى ابنه شيث 109
21 إدريس عليه السلام 111
22 قصة نوح عليه السلام 133
23 ذكر شئ من أخبار نوح عليه السلام 133
24 صومه عليه السلام 135
25 حجه عليه السلام 135
26 وصيته لولده 136
27 قصة هود عليه السلام 137
28 قصة صالح نبي ثمود عليه السلام 150
29 ذكر أبي رغال من بني ثمود 158
30 مرور النبي بوادي الحجر من أرض ثمود عام تبوك 159
31 قصة إبراهيم خليل الرحمن 160
32 ذكر مناظرة إبراهيم الخليل مع من ادعى الربوبية وهو أحد العبيد الضعفاء 170
33 هجرة الخليل إلى بلاد الشام ثم الديار المصرية واستقراره في الأرض المقدسة 172
34 ذكر مولد إسماعيل من هاجر 176
35 ذكر مهاجرة إبراهيم بابنه إسماعيل وأمه إلى جبل فاران وهي أرض مكة وبنائه البيت العتيق 176
36 قصة الذبيح 181
37 مولد إسحاق 185
38 بناء البيت العتيق 187
39 ذكر ثناء الله ورسوله الكريم على عبده وخليله إبراهيم 191
40 قصره في الجنة 199
41 صفة إبراهيم عليه السلام 200
42 وفاة إبراهيم وما قيل في عمره 200
43 ذكر أولاد إبراهيم الخليل 202
44 قصة مدين قوم شعيب عليه السلام 212
45 باب ذرية إبراهيم 220
46 إسماعيل عليه السلام 220
47 إسحاق بن إبراهيم عليهما الصلاة والتسليم 222
48 ما وقع من الأمور العجيبة في حياة إسرائيل 227
49 قصة نبي الله أيوب 254
50 قصة ذي الكفل 259
51 باب ذكر أمم أهلكوا بعامة 261
52 قصة قوم يس وهم أصحاب القرية 264
53 قصة يونس 267
54 فضل يونس 272
55 قصة موسى الكليم 273
56 فصل 296
57 هلاك فرعون وجنوده 309
58 امر بني إسرائيل بعد هلاك فرعون 316
59 دخول بني إسرائيل التيه وما فيه من الأمور العجيبة 323
60 سؤال الرؤية 327
61 قصة عبادتهم العجل في غيبة كليم الله عنهم 330
62 حديث آخر بمعنى ما ذكره ابن حبان 338
63 قصة بقرة بني إسرائيل 339
64 قصة موسى والخضر عليهما السلام 341
65 حديث الفتون المتضمن قصة موسى مفصلا من أولها إلى آخرها 347
66 بناء قبة الزمان 356
67 قصة قارون مع موسى عليه السلام 358
68 باب فضائل موسى عليه السلام وشمائله وصفاته ووفاته 362
69 حجته عليه السلام إلى البيت العتيق 366
70 وفاته عليه السلام 367
71 نبوة يوشع وقيامه بأعباء بني إسرائيل بعد موسى وهارون (الأسباط - بلعام - وفاة موسى وهارون - فتح أريحا) 370
72 قصتا الخضر وإلياس عليهما السلام 377
73 ذكر الاختلاف في اسم الخضر ونسبه وزمن وجوده ونبوته، وحياته إلى الآن، مفصلا 378
74 وأما الياس عليه السلام 391