البداية والنهاية - ابن كثير - ج ١ - الصفحة ٣٦٢
يلقى هذه النصيحة وهذه المقالة وهذه الهمة السامية إلى الدار الآخرة العلية عند النظر إلى زهرة هذه الدنيا الدنية إلا من هدى الله قلبه، وثبت فؤاده، وأيد لبه، وحقق مراده، وما أحسن ما قال بعض السلف إن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات والعقل الكامل عند حلول الشهوات.
قال الله تعالى فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين لما ذكر تعالى خروجه في زينته واختياله فيها، وفخره على قومه بها، قال: فخسفنا به وبداره الأرض كما روى البخاري من حديث الزهري، عن سالم عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" بينا رجل يجر إزاره إذ خسف به فهو يتجلجل (1) في الأرض إلى يوم القيامة (2) ". ثم رواه البخاري من حديث جرير بن زيد عن سالم عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. وقد ذكر ابن عباس والسدي أن قارون أعطى امرأة بغيا مالا على أن تقول لموسى عليه السلام وهو في ملاء من الناس إنك فعلت بي كذا وكذا فيقال إنها قالت له ذلك، فأرعد من الفرق (3) وصلى ركعتين. ثم أقبل عليها فاستحلفها من ذلك على ذلك وما حملك عليه، فذكرت أن قارون هو الذي حملها على ذلك، واستغفرت الله وتابت إليه، فعند ذلك خر موسى لله ساجدا ودعا الله على قارون، فأوحى الله إليه إني قد أمرت الأرض أن تطيعك فيه فأمر موسى الأرض أن تبتلعه وداره فكان ذلك فالله أعلم. وقد قيل إن قارون لما خرج على قومه في زينته مر بجحفله وبغاله وملابسه على مجلس موسى عليه السلام، وهو يذكر قومه بأيام الله فلما رآه الناس، انصرفت وجوه كثير من الناس ينظرون إليه فدعا موسى عليه السلام فقال له: ما حملك على هذا فقال: يا موسى أما لئن كنت فضلت علي بالنبوة فلقد فضلت عليك بالمال، ولئن شئت لتخرجن فلتدعون علي ولأدعون عليك فخرج وخرج قارون في قومه فقال له موسى: تدعو أو أدعو؟ قال: ادعو أنا، فدعى قارون، فلم يجب في موسى، فقال موسى أدعو؟ قال: نعم. فقال موسى: اللهم مر الأرض فلتطغى اليوم فأوحى الله إليه إني قد فعلت فقال موسى: يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى أقدامهم، ثم قال خذيهم، فأخذتهم إلى ركبهم ثم إلى مناكبهم ثم قال اقبلي بكنوزهم وأموالهم فأقبلت بها حتى نظروا إليها ثم أشار موسى بيده فقال: اذهبوا بني لاوي فاستوت بهم الأرض. وقد روي عن قتادة أنه قال يخسف بهم كل يوم قامة إلى يوم القيامة. وعن ابن عباس أنه قال خسف بهم إلى الأرض السابعة. وقد ذكر كثير من المفسرين ههنا إسرائيليات كثيرة أضربنا عنها صفحا وتركناها قصدا. وقوله تعالى (فما

(1) يتجلجل: أي يغوص في الأرض حين يخسف به. والجلجلة: حركة مع الصوت.
(2) أخرجه البخاري في صحيحه 77 / 5 / 5790 فتح الباري وأخرجه مسلم في 37 كتاب اللباس 10 باب تحريم التبختر في المشي 49 / 2088 بنحوه عن أبي هريرة.
ورواه النسائي في سننه 48 / 101 والدارمي في سننه المقدمة 40 / 443 وأحمد في مسنده 2 / 66 - 267 - 315 - 390 - 456.
(3) الفرق: بالفتح: الخوف والفزع.
(٣٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 357 358 359 360 361 362 363 364 365 366 367 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المنهاج في تأليف الكتاب 5
2 فصل 9
3 فصل 10
4 وأما الكرسي 14
5 ذكر اللوح المحفوظ 15
6 ما ورد في خلق السماوات والأرض وما بينهما 16
7 ما جاء في سبع أرضين 20
8 فصل في البحار والأنهار 23
9 فصل 29
10 ذكر ما يتعلق بخلق السماوات وما فيهن من الآيات 30
11 أ - الاجماع على أن السماوات مستديرة ب - حديث سب الدهر ج - اليونانيون ودمشق د - هاروت وماروت المجرة وقوس قزح 40
12 باب ذكر خلق الملائكة وصفاتهم 41
13 فصل 52
14 فصل 60
15 باب خلق الجان وقصة الشيطان 61
16 باب خلق آدم عليه السلام 74
17 احتجاج آدم وموسى عليهما السلام 91
18 الأحاديث الواردة في خلق آدم 95
19 قصة قابيل وهابيل 103
20 وفاة آدم ووصيته إلى ابنه شيث 109
21 إدريس عليه السلام 111
22 قصة نوح عليه السلام 133
23 ذكر شئ من أخبار نوح عليه السلام 133
24 صومه عليه السلام 135
25 حجه عليه السلام 135
26 وصيته لولده 136
27 قصة هود عليه السلام 137
28 قصة صالح نبي ثمود عليه السلام 150
29 ذكر أبي رغال من بني ثمود 158
30 مرور النبي بوادي الحجر من أرض ثمود عام تبوك 159
31 قصة إبراهيم خليل الرحمن 160
32 ذكر مناظرة إبراهيم الخليل مع من ادعى الربوبية وهو أحد العبيد الضعفاء 170
33 هجرة الخليل إلى بلاد الشام ثم الديار المصرية واستقراره في الأرض المقدسة 172
34 ذكر مولد إسماعيل من هاجر 176
35 ذكر مهاجرة إبراهيم بابنه إسماعيل وأمه إلى جبل فاران وهي أرض مكة وبنائه البيت العتيق 176
36 قصة الذبيح 181
37 مولد إسحاق 185
38 بناء البيت العتيق 187
39 ذكر ثناء الله ورسوله الكريم على عبده وخليله إبراهيم 191
40 قصره في الجنة 199
41 صفة إبراهيم عليه السلام 200
42 وفاة إبراهيم وما قيل في عمره 200
43 ذكر أولاد إبراهيم الخليل 202
44 قصة مدين قوم شعيب عليه السلام 212
45 باب ذرية إبراهيم 220
46 إسماعيل عليه السلام 220
47 إسحاق بن إبراهيم عليهما الصلاة والتسليم 222
48 ما وقع من الأمور العجيبة في حياة إسرائيل 227
49 قصة نبي الله أيوب 254
50 قصة ذي الكفل 259
51 باب ذكر أمم أهلكوا بعامة 261
52 قصة قوم يس وهم أصحاب القرية 264
53 قصة يونس 267
54 فضل يونس 272
55 قصة موسى الكليم 273
56 فصل 296
57 هلاك فرعون وجنوده 309
58 امر بني إسرائيل بعد هلاك فرعون 316
59 دخول بني إسرائيل التيه وما فيه من الأمور العجيبة 323
60 سؤال الرؤية 327
61 قصة عبادتهم العجل في غيبة كليم الله عنهم 330
62 حديث آخر بمعنى ما ذكره ابن حبان 338
63 قصة بقرة بني إسرائيل 339
64 قصة موسى والخضر عليهما السلام 341
65 حديث الفتون المتضمن قصة موسى مفصلا من أولها إلى آخرها 347
66 بناء قبة الزمان 356
67 قصة قارون مع موسى عليه السلام 358
68 باب فضائل موسى عليه السلام وشمائله وصفاته ووفاته 362
69 حجته عليه السلام إلى البيت العتيق 366
70 وفاته عليه السلام 367
71 نبوة يوشع وقيامه بأعباء بني إسرائيل بعد موسى وهارون (الأسباط - بلعام - وفاة موسى وهارون - فتح أريحا) 370
72 قصتا الخضر وإلياس عليهما السلام 377
73 ذكر الاختلاف في اسم الخضر ونسبه وزمن وجوده ونبوته، وحياته إلى الآن، مفصلا 378
74 وأما الياس عليه السلام 391