بني آدم بكل طريق وبكل مرصد كما قال (أرأيتك هذا الذي كرمت على لئن أخرتن إلى يوم القيامة لاحتنكن ذريته إلا قليلا. قال إذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا. إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا) [الاسراء: 62].
وسنذكر القصة مستفاضة عند ذكر خلق آدم عليه السلام * والمقصود أن الجان خلقوا من النار وهم كبني آدم يأكلون ويشربون ويتناسلون * ومنهم المؤمنون ومنهم الكافرون كما أخبر تعالى عنهم في صورة الجن في قوله تعالى (وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين * قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم * يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم * ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين) [الأحقاف: 29] وقال تعالى (قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا.
وانه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا. وانه كان يقول سفيهنا على الله شططا. وأن ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا. وأنه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا. وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا * وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا. وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا.
وانا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا * وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا * وأنا ظننا ان لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربا. وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا. وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون. فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا * وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا. وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه. ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا) [الجن: 1] وقد ذكرنا تفسير هذه السورة وتمام القصة في آخر سورة الأحقاف * وذكرنا الأحاديث المتعلقة بذلك هنالك * وأن هؤلاء النفر كانوا من جن (نصيبين) وفي بعض الآثار من جن (بصرى) وأنهم مروا برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم يصلي بأصحابه ببطن نخلة من أرض مكة فوقفوا فاستمعوا لقراءته. ثم اجتمع بهم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة كاملة فسألوه عن أشياء أمرهم بها ونهاهم عنها وسألوه الزاد فقال لهم (كل عظم ذكر اسم الله عليه تجدونه أوفر ما يكون لحما وكل روثة علف لدوابكم) ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يستنجي بهما وقال: (إنهما زاد إخوانكم) [أي]: الجن. ونهى عن البول في السرب لأنها مساكن الجن. وقرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة الرحمن فما جعل يمر فيها بآية (فبأي آلاء ربكما تكذبان) إلا قالوا ولا بشئ من الآئك ربنا نكذب فلك الحمد. وقد أثنى عليهم