وجمال. ولم تكن مانعة له أن كلمه الله تعالى وأوحى إليه، وأنزل بعد ذلك التوراة عليه، وتنقصه فرعون لعنه الله بكونه لا أساور في بدنه ولا زينة عليه، وإنما ذلك من حلية النساء، لا يليق بشهامة الرجال، فكيف بالرسل الذين هم أكمل عقلا وأتم معرفة وأعلى همة وأزهد في الدنيا وأعلم بما أعد الله لأوليائه في الأخرى وقوله (أو جاء معه الملائكة مقترنين) لا يحتاج الامر إلى ذلك إن كان المراد أن تعظمه الملائكة فالملائكة يعظمون ويتواضعون لمن هو دون موسى عليه السلام بكثير كما جاء في الحديث: " إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضي بما يصنع " (1) فكيف يكون تواضعهم وتعظيمهم لموسى الكليم عليه الصلاة والتسليم والتكريم * وإن كان المراد شهادتهم له بالرسالة فقد أيد من المعجزات بما يدل قطعا لذوي الألباب ولمن قصد إلى الحق والصواب ويعمى عما جاء به من البينات والحجج الواضحات من نظر إلى القشور وترك لب اللباب وطبع على قلبه رب الأرباب وختم عليه بما فيه من الشك والارتياب كما هو حال فرعون القبطي العمى الكذاب قال الله تعالى (فاستخف قومه فأطاعوه) أي استخف عقولهم ودرجهم من حال إلى حال إلى أن صدقوه في دعواه الربوبية، لعنه الله وقبحهم (إنهم كانوا قوما فاسقين فلما أسفونا) أي أغضبونا (انتقمنا منهم) أي بالغرق والإهانة وسلب العز والتبدل بالذل وبالعذاب بعد النعمة والهوان بعد الرفاهية والنار بعد طيب العيش عياذا بالله العظيم وسلطانه القديم من ذلك (فجعلناهم سلفا) أي لمن اتبعهم في الصفات (ومثلا) أي لمن اتعظ بهم وخاف من وبيل مصرعهم ممن بلغه جلية خبرهم وما كان من أمرهم كما قال الله تعالى. (فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات قالوا ما هذا إلا سحر مفترى وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين. وقال موسى ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده ومن تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون. وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلى أطلع إلى آله موسى وإني لأظنه من الكاذبين واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين. وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيمة لا ينصرون وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيمة هم من المقبوحين) [القصص: 36 - 42] يخبر تعالى أنهم لما استكبروا عن اتباع الحق وادعى ملكهم الباطل، ووافقوه عليه، وأطاعوه فيه، اشتد غضب الرب القدير العزيز الذي لا يغالب، ولا يمانع عليهم، فانتقم منهم أشد الانتقام، وأغرقه هو وجنوده في صبيحة واحدة، فلم يفلت منهم أحد، ولم يبق منهم ديار، بل كل قد غرق فدخل النار وأتبعوا في هذه الدار لعنة بين العالمين ويوم القيامة بئس الرفد المرفود ويوم القيامة هم من المقبوحين.
(٣١٠)