البداية والنهاية - ابن كثير - ج ١ - الصفحة ٣١٤
الله ما هم فيه مما قد شاهدوه وعاينوه فقال لهم الرسول الصادق المصدوق (كلا إن معي ربي سيهدين) وكان في الساقة فتقدم إلى المقدمة ونظر إلى البحر وهو يتلاطم بأمواجه ويتزايد زبد أجاجه وهو يقول: ههنا أمرت ومعه أخوه هارون ويوشع بن نون، وهو يومئذ من سادات بني إسرائيل، وعلمائهم، وعبادهم الكبار، وقد أوحى الله إليه وجعله نبيا بعد موسى وهرون عليهما السلام، كما سنذكره فيما بعد إن شاء الله * ومعهم أيضا مؤمن آل فرعون وهم وقوف وبنو إسرائيل بكمالهم عليهم عكوف * ويقال إن مؤمن آل فرعون جعل يقتحم بفرسه مرارا في البحر هل يمكن سلوكه، فلا يمكن ويقول لموسى عليه السلام: يا نبي الله أههنا أمرت؟ فيقول نعم. فلما تفاقم الامر، وضاق الحال، واشتد الامر، واقترب فرعون وجنوده في جدهم: وحدهم وحديدهم وغضبهم وحنقهم، وزاغت الابصار، وبلغت القلوب الحناجر، فعند ذلك أوحى الحليم العظيم القدير رب العرش الكريم إلى موسى الكليم (أن أضرب بعصاك البحر) فلما ضربه يقال إنه قال له: انفلق بإذن الله، ويقال: إنه كناه بأبي خلد فالله أعلم، قال الله تعالى: (فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم) [الشعراء: 63] ويقال: إنه انفلق اثنتي عشرة طريقا لكل سبط (1) طريق يسيرون فيه حتى قيل إنه صار أيضا شبابيك ليرى بعضهم بعضا، وفي هذا نظر، لان الماء جرم شفاف إذا كان من ورائه ضياء حكاه. وهكذا كان ماء البحر قائما مثل الجبال مكفوفا بالقدرة العظيمة الصادرة من الذي يقول للشئ كن فيكون. وأمر الله ريح الدبور (2) فلقحت حال (3) البحر فأذهبته حيت صار يابسا لا يعلق في سنابك الخيول والدواب. قال الله تعالى (ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى. فاتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم وأضل فرعون قومه وما هدى) [طه: 77 - 79] والمقصود أنه لما آل أمر البحر إلى هذه الحال بإذن الرب العظيم، الشديد المحال، أمر موسى عليه السلام أن يجوزه ببني إسرائيل فانحدروا فيه مسرعين، مستبشرين مبادرين، وقد شاهدوا من الامر العظيم ما يحير الناظرين، ويهدي قلوب المؤمنين، فلما جاوزوه وجاوزه وخرج آخرهم منه، وانفصلوا عنه، كان ذلك عند قدوم أول جيش فرعون إليه ووفودهم عليه، فأراد موسى عليه السلام أن يضرب البحر بعصاه ليرجع كما كان عليه لئلا يكون لفرعون وجنوده وصول إليه. ولا سبيل عليه فأمره القدير ذو الجلال أن يترك البحر على هذه الحال، كما قال وهو الصادق في المقال (ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم أن أدوا إلى عباد الله إني لكم رسول أمين. وان لا تعلوا على الله إني آتيكم بسلطان مبين. واني عذت بربي وربكم أن ترجمون. وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون. فدعا ربه أن هؤلاء قوم مجرمون. فأسر بعبادي

(1) سبط: كان بنو إسرائيل اثني عشر سبطا. والجمع أسباط.
(2) ريح الدبور: الريح الغربية.
(3) حال البحر: الطين الأسود الذي يكون في أرضه.
(٣١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 309 310 311 312 313 314 315 316 317 318 319 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المنهاج في تأليف الكتاب 5
2 فصل 9
3 فصل 10
4 وأما الكرسي 14
5 ذكر اللوح المحفوظ 15
6 ما ورد في خلق السماوات والأرض وما بينهما 16
7 ما جاء في سبع أرضين 20
8 فصل في البحار والأنهار 23
9 فصل 29
10 ذكر ما يتعلق بخلق السماوات وما فيهن من الآيات 30
11 أ - الاجماع على أن السماوات مستديرة ب - حديث سب الدهر ج - اليونانيون ودمشق د - هاروت وماروت المجرة وقوس قزح 40
12 باب ذكر خلق الملائكة وصفاتهم 41
13 فصل 52
14 فصل 60
15 باب خلق الجان وقصة الشيطان 61
16 باب خلق آدم عليه السلام 74
17 احتجاج آدم وموسى عليهما السلام 91
18 الأحاديث الواردة في خلق آدم 95
19 قصة قابيل وهابيل 103
20 وفاة آدم ووصيته إلى ابنه شيث 109
21 إدريس عليه السلام 111
22 قصة نوح عليه السلام 133
23 ذكر شئ من أخبار نوح عليه السلام 133
24 صومه عليه السلام 135
25 حجه عليه السلام 135
26 وصيته لولده 136
27 قصة هود عليه السلام 137
28 قصة صالح نبي ثمود عليه السلام 150
29 ذكر أبي رغال من بني ثمود 158
30 مرور النبي بوادي الحجر من أرض ثمود عام تبوك 159
31 قصة إبراهيم خليل الرحمن 160
32 ذكر مناظرة إبراهيم الخليل مع من ادعى الربوبية وهو أحد العبيد الضعفاء 170
33 هجرة الخليل إلى بلاد الشام ثم الديار المصرية واستقراره في الأرض المقدسة 172
34 ذكر مولد إسماعيل من هاجر 176
35 ذكر مهاجرة إبراهيم بابنه إسماعيل وأمه إلى جبل فاران وهي أرض مكة وبنائه البيت العتيق 176
36 قصة الذبيح 181
37 مولد إسحاق 185
38 بناء البيت العتيق 187
39 ذكر ثناء الله ورسوله الكريم على عبده وخليله إبراهيم 191
40 قصره في الجنة 199
41 صفة إبراهيم عليه السلام 200
42 وفاة إبراهيم وما قيل في عمره 200
43 ذكر أولاد إبراهيم الخليل 202
44 قصة مدين قوم شعيب عليه السلام 212
45 باب ذرية إبراهيم 220
46 إسماعيل عليه السلام 220
47 إسحاق بن إبراهيم عليهما الصلاة والتسليم 222
48 ما وقع من الأمور العجيبة في حياة إسرائيل 227
49 قصة نبي الله أيوب 254
50 قصة ذي الكفل 259
51 باب ذكر أمم أهلكوا بعامة 261
52 قصة قوم يس وهم أصحاب القرية 264
53 قصة يونس 267
54 فضل يونس 272
55 قصة موسى الكليم 273
56 فصل 296
57 هلاك فرعون وجنوده 309
58 امر بني إسرائيل بعد هلاك فرعون 316
59 دخول بني إسرائيل التيه وما فيه من الأمور العجيبة 323
60 سؤال الرؤية 327
61 قصة عبادتهم العجل في غيبة كليم الله عنهم 330
62 حديث آخر بمعنى ما ذكره ابن حبان 338
63 قصة بقرة بني إسرائيل 339
64 قصة موسى والخضر عليهما السلام 341
65 حديث الفتون المتضمن قصة موسى مفصلا من أولها إلى آخرها 347
66 بناء قبة الزمان 356
67 قصة قارون مع موسى عليه السلام 358
68 باب فضائل موسى عليه السلام وشمائله وصفاته ووفاته 362
69 حجته عليه السلام إلى البيت العتيق 366
70 وفاته عليه السلام 367
71 نبوة يوشع وقيامه بأعباء بني إسرائيل بعد موسى وهارون (الأسباط - بلعام - وفاة موسى وهارون - فتح أريحا) 370
72 قصتا الخضر وإلياس عليهما السلام 377
73 ذكر الاختلاف في اسم الخضر ونسبه وزمن وجوده ونبوته، وحياته إلى الآن، مفصلا 378
74 وأما الياس عليه السلام 391