فرارا من سطوته وظلمه حين كان من أمره ما كان في قتل ذلك القبطي ولهذا (قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون. وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردأ يصدقني إني أخاف أن يكذبون). أي اجعله معي معينا وردأ ووزيرا يساعدني ويعينني على أداء رسالتك إليهم فإنه أفصح مني لسانا وأبلغ بيانا * قال الله تعالى مجيبا له إلى سؤاله (سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا) أي برهانا (فلا يصلون إليكما) أي فلا ينالون منكما مكروها بسبب قيامكما بآياتنا. وقيل ببركة آياتنا (أنتما ومن اتبعكما الغالبون) وقال في سورة طه (اذهب إلى فرعون انه طغى. قال رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي) [طه: 24 - 28] قيل إنه أصابه في لسانه لثغة بسبب تلك الجمرة التي وضعها على لسانه التي كان فرعون أراد اختبار عقله حين أخذ بلحيته وهو صغير فهم بقتله فخافت عليه آسية وقالت إنه طفل فاختبره بوضع تمرة وجمرة بين يديه فهم بأخذ التمرة فصرف الملك يده إلى الجمرة فأخذها فوضعها على لسانه فأصابه لثغة بسببها فسأل زوال بعضها بمقدار ما يفهمون قوله ولم يسأل زوالها بالكلية.
قال الحسن البصري والرسل إنما يسألون بحسب الحاجة ولهذا بقيت في لسانه بقية ولهذا قال فرعون قبحه الله فيما زعم أنه يعيب به الكليم (ولا يكاد يبين) [الزخرف: 52] أي يفصح عن مراده ويعبر عما في ضميره وفؤاده * ثم قال موسى عليه السلام (واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا إنك كنت بنا بصيرا. قال قد أوتيت سؤلك يا موسى) [طه: 32 - 36] أي قد أجبناك إلى جميع ما سألت وأعطيناك الذي طلبت وهذا من وجاهته عند ربه عز وجل حين شفع أن يوحي الله إلى أخيه فأوحى إليه وهذا جاه عظيم قال الله تعالى (وكان عند الله وجيها) [الأحزاب: 69] وقال تعالى (ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا) [مريم: 53] وقد سمعت أم المؤمنين عائشة رجلا يقول لأناس وهم سائرون طريق الحج (أي أخ أمن على أخيه) فسكت القوم فقالت عائشة لمن حول هودجها هو موسى بن عمران حين شفع في أخيه هارون فأوحى إليه قال الله تعالى (ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا) قال تعالى في سورة الشعراء (وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين قوم فرعون ألا يتقون. قال رب إني أخاف أن يكذبون ويضيق صدري ولا ينطلق لساني فأرسل إلى هارون ولهم على ذنب فأخاف أن يقتلون. قال كلا فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون. فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين أن أرسل معنا نبي إسرائيل. قال ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين) [الشعراء: 10 - 19] تقدير الكلام فأتياه فقالا له ذلك وبلغاه ما أرسلا به من دعوته إلى عبادة الله تعالى وحده لا شريك له وأن يفك أسارى بني إسرائيل من قبضته وقهره وسطوته وتركهم يعبدون ربهم حيث شاؤوا ويتفرغون لتوحيده ودعائه والتضرع لديه فتكبر فرعون في نفسه وعتا