فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين. أسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم إليك جناحك من الرهب فذانك برهان من ربك إلى فرعون وملائه إنهم كانوا قوما فاسقين) [القصص: 29 - 32]. تقدم أن موسى قضى أتم الأجلين وأكملهما وقد يؤخذ هذا من قوله (فلما قضى موسى الاجل) وعن مجاهد أنه أكمل عشرا وعشرا بعدها. وقوله (وسار بأهله) أي من عند صهره زاعما (1) فيما ذكره غير واحد من المفسرين - وغيرهم أنه اشتاق إلى أهله فقصد زيارتهم ببلاد مصر في صورة مختف فلما سار بأهله ومعه ولدان منهم وغنم قد استفادها مدة مقامه قالوا واتفق ذلك في ليلة مظلمة باردة وتاهوا في طريقهم فلم يهتدوا إلى السلوك في الدرب المألوف وجعل يوري زناده فلا يرى (2) شيئا واشتد الظلام والبرد، فبينما هو كذلك إذ أبصر عن بعد نارا تأجج في جانب الطور وهو الجبل الغربي منه عن يمينه، فقال لأهله: امكثوا إني آنست نارا وكأنه، - والله أعلم - رآها دونهم لان هذه النار هي نور في الحقيقة ولا يصلح رؤيتها لكل أحد (لعلي آتيكم منها بخبر) أي لعلي أستعلم من عندها عن الطريق (أو جذوة من النار لعلكم تصطلون) فدل على أنهم كانوا قد تاهوا عن الطريق في ليلة باردة ومظلمة لقوله في الآية الأخرى (وهل أتاك حديث موسى إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى) [طه: 9 - 10] فدل على وجود الظلام وكونهم تاهوا عن الطريق * وجمع الكل في سورة النمل في قوله (إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا سأتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون) [النمل: 7]. وقد أتاهم منها بخبر وأي خبر ووجد عندها هدى وأي هدى واقتبس منها نورا وأي نور. قال الله تعالى (فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين) [القصص: 30]. وقال في النمل (فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين) [النمل: 8] أي سبحان الله الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد (يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم) [النمل: 9] وقال في سورة طه (فلما أتاها نودي يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى. وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى. فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى) [طه: 11 - 16]. قال غير واحد من المفسرين من السلف والخلف لما قصد موسى إلى تلك النار التي رآها فانتهى إليها وجدها تأجج في شجرة خضراء من العوسج (3) وكل ما لتلك النار في اضطرام وكل ما لخضرة تلك الشجرة
(٢٨٥)